فتيا أو رسالة أو سؤال فليناولها منشورة ليلا يتكلف الشيخ نشرها إلا أن يخشى وجود سر لا يحب الشيخ الاطلاع عليه، وليقم بين يديه عند المناولة ولا يمد إليه بيده أو ينبذ الشيء إليه أو يزحف إليه زحفا، ولا أن يحوجه إلى أن يمد يديه إليه، بل إن علم أن الشيخ يثقل عليه إخراج يديه لتمسك المكتوب فليمسكه له حتى يقرأه، وإن ناوله كتابا هيأه له، وإن احتاج إلى مسألة منه في محل مخصوص فليره المحل ولا يحوجه إلى التفتيش، وإن ناوله قلما فليحده أولا، أو دواة فليفتحها ويهيئها، أو سكينا فليرد إليه حدها وهكذا سائر ما يتناول، وإن طلب الشيخ سجادة فليفرشها له إن أراد الصلاة أو الجلوس، وإذا قام بادر إلى أخذها، وكذا النعل وسائر الخدمة، وإلى الأخذ بيد الشيخ إن احتاجَ والمطلوب الخدمة بأي وجه أمكن مما يكون معه حفظ قلب الشيخ، وَمَنْ أَنِفَ من خدمة المشايخ أو استحيا فهو محروم.
وقد قالوا: أربعة لا يستنكف عنهن ذو العقل ولو كان شريفا في نفسه أو أميرا: قيامه من مجلسه لأبيه، وخدمته للعالم يتعلم منه، والسؤال عما لا يعلم، وخدمته للضيف. وليستعمل الأدب في الجلوس إلى الشيخ، وليكن بين يديه كما مر، فإن تأتى له القرب جدا وأمن مضايقة الشيخ فليقرب كما في وصية لقمان، حيث قال: وزاحم العلماء بركبتك، وإلا وهو الأغلب فليتوسط فلا يزاحم حتى يثقل أو يمس الشيخ أو سجادته أو ثوبه، ولا يبعد حتى لا ينتفع، ومتى أمره الشيخ بشيء من ذلك، فإن رآه أدبا بادر إليه، وإلا فالأدب. كما مر.
وليستعمل الأدب في المماشاة، فإذا خرج الشيخ فليكن وراءه فهو بمنزلة التابع فلا يتقدم عليه، ولا يمشي إلى جنبه غير أنهم استثنوا مواضع أربعة ينبغي التقدم فيها بين يدي المشايخ، وذلك إذا نزلوا سُفْلا، أو انطلقوا ليلا، أو خاضوا سيلا، أو حذووا ويلا؛ أي شيئا يتقى، أما أولا فمخافة أن يقع للشيخ زلل فيتداركه من تحته، وليلا يزل هو فيقع عليه، وأما ثانيا فمخافة أن يكون في الطريق شيء يؤذي من حيوان أو غيره، وأما ثالثا فلتجربة المحل ليلا تكون بركة يغرق فيها أو يكون الماء شديدا لا يحتمل، وأما رابعا فظاهر، وكل ما أشبه الأربعة فهو بها ملتحق، وأما المشي إلى جنبه فقد يحسن حين يحب الشيخ الأنس به أو بحديثه، وقد يأذن في الأخذ عنه تلك الساعة، فلا يمكن إلا ذلك وهو من الآداب المُلُوكِيّةِ في صحبة الرؤساء، وينبغي حينئذ أن