الشيخ، فكنت من ذلك اليوم كل ما يخرج من الشيخ يدخل في قلبي كالشمس المنيرة ولا يفوتني شيء، وقضيت العجب من ذلك.
وليقبل على الشيخ بكليته مصغيا متلقيا ما يسمعه بقلب شهيد، ولا يتغافل حتى يمر الكلام ويلقى الشيخ في تقريره عناء وثم يسأل عنه هو سؤال من لم يسمعه قط، فإنه إن أعاده تألم بذلك، فقد قيل: أثقل من حديث معاد وإن لم يعد تألم هو وتألم الشيخ لتألمه وغفلته، ولا خير في شيء من ذلك، وليحذر من الالتفات يمينا وشمالا، أو فوق أو تحت عن الشيخ، ولا سيما عند كلامه معه، ولا يضرب بكميه، ولا يحسر عن ذراعيه، ولا يعبث بيديه أو رجليه، ولا ينظر إلى أهل المجلس عند ما يصدر منه بحث أو يلج في مباحثة الشيخ تبجحا بحاله أو ليرى ما يقولون فيه، فإن مثل هذا مفتون في نفسه ممقوت عند الله تعالى وعند الشيخ، إلا من عصمه الله، ولا يشبك أصابعه، ولا يعبث بلحيته، ولا يستند بحضرة الشيخ إلى حائط أو وسادة، أو على يده إلى الوراء، ولا يولي الشيخ ظهره أو جنبه، ولا يشير بيديه حال البحث، ولا يكثر الكلام لغير حاجة، ولا التنحنح، ولا يبصق، ولا يتنخم ما أمكنه، فإن غلبه أخذ ذلك في ثوبه من غير صوت وحكه، وليخفض الصوت عند العطاس جهده، وليسد فاه عند التثاؤب.
وفيما ينسب إلى علي كرم الله وجهه من الوصايا في هذا الباب: من حق العالم عليك أن تسلم على عامة مجلسه وتخصه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن عنده بيدك، ولا تعمد بعينيك غيره، ولا تقولن قال فلان خلاف قوله، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره لله تعالى، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته، ولا تسار في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا كمل، ولا تشبع من طول صحبته؛ فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك شيء منها. انتهى.
فإن أمره بأمر يخالف الأدب، كالجلوس على فراشه، والتقدم بين يديه، فقيل: يراعي امتثال الأمر، وقيل: يراعي الأدب وهو أولى، كما فعل الصديق رضي الله تعالى عنه حين قال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا أن يكون جزم أو بحث لا يمكن خلافه، وليحسن الأدب في مخاطبته للشيخ جهده فيخاطبه خطاب تعظيم