وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ذللت طالبا وعززت مطلوبا، وليقدم فهم الشيخ على فهمه، ورأيه على رأيه كما قال الصحابي: اتهموا رأيكم، ومتى أعلمه الشيخ بفائدة أو حكمة أو لطيفة من دقائق الأدب كان علمها، فلا يظهر أنه كان عالما بها، وليشكر شكر من لم يعلم اللهم إلا أن يتعلق غرض الشيخ بشهادته بها مثلا فليذكر ذلك، والضابط السعي في حفظ قلب الشيخ، وليراع حق الله تعالى في ذلك لا مجرد الانتفاع، وليستعمل الأدب في الدخول على الشيخ، فيدخل عليه فارغ القلب من الشواغل، حسن الهيئة: نظيفا باحترام ووقار، فإن كان الشيخ في محل خاص فليستأذن برفق، فإن لم يأذن له انصرف سليم القلب، وإن كانوا جماعة وأذن لهم فليتقدم في الدخول أفضلهم وأسنهم للسلام، ثم يسلم الأفضل فالأفضل، وإن دخل عليه في محل خاص ثم وجده مع أحد يتحدث معه ثم سكت، أو في شغل فأمسك عنه ولم يبدأه بالكلام ولا باسطه، فليسلم سريعا ويخرج، إلا أن يلزمه الشيخ المكث، ويختلف الحال في ذلك، والضابط مراعاة الأدب وحفظ القلب، ولا يدخل مشغول البال على شيخه بجوع أو عطش أو هم أو نحوه؛ إذ يمنعه ذلك من الإصغاء والانتفاع، ولا يناد الشيخ من وراء الحجرات، ولينتظر خروجه، وليصبر إن كان نائما حتى يستيقظ، ولا يطوف عليه ليخرج إليه.
وقد كان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يأتي باب زيد بن ثابت فيجده نائما، فيقال له: ألا نوقظه لك؟ فيقول: لا، وينظر حتى يستيقظ، وربما أصابته الشمس وهو على ذلك فلا يبالي، ولا يقترح على الشيخ ما يشق عليه من مجلس غير معتاد أو وقت أو تخصيص له بشيء من ذلك أو بملاحظة، فربما فعل الشيخ ذلك مع استثقاله له وفيه هلاكه اللهم إلا أن يكون هو افتقحه بذلك وامتن عليه به فليقبله شاكرا له. قال جميعه اليوسي في القانون إلا النزر منه جدا.
وليجلس بين يدي الشيخ بالأدب جلوس الصبي أمام المؤدب إن أمكنه، قال اليوسي: من أغرب ما شاهدته في هذا أني كنت أيام البداية أجلس في حلقة شيخنا أبي بكر رحمه الله تعالى ناحية جنبه الأيسر وهم يقرءون الخلاصة، فكنت أفهم بعضا من كلامه وأشياء لا أفهمها حتى بلغنا نحو النصف، فاتفق لبعض من كان بين يديه أن خرج من البلد فجلست في موضعه بين يدي