وقد مر معنى هذا البيت عند قول المصنف: "والشكر له على ما أولانا من الفضل والكرم"، ولا يزال ساعيا في مكافأته بكل وجه يمكن، وفي الحديث: (من أسدى إليكم معروفا فكافئوه (?))، وكل ما يفعله في حضوره يفعله في غيبته، ويجاوب عنه من يذكره بسوء، وإن عجز قام عن المجلس، وكذا يعامل أولاده ومواليه وأقاربه وأحبابه وسائر من له به نسبة، وهذا شأن الصحبة والمحبة كما قيل:

وقالوا يا جميل أتى أخوها ... فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب

ومن آداب التلميذ أيضا مع الشيخ: أن يصبر على جفوة شيخه وشراسته إن كانت في خلقه، ولا يصده ذلك عن ملازمته وحسن اعتقاده فيه، وإلا حُرِمَ ما عنده.

وقد قال قائل لسفيان بن عيينة: إن قوما يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا ويتركوك، فقال للقائل: هم حمقى إذا مثلك إن تركوا ما ينفعهم لسوء خلقي.

وليتلطف في إدخال السرور على قلب الشيخ وفي استعطاف قلبه وفي مصالحته إن جفا أو غضب، ولينسب الذنب إلى نفسه، وليبالغ في الاعتذار والتوبة والاستغفار والانكسار، ولينسب كل نقيصة إلى نفسه وكل فضيلة إلى شيخه، ولا يجادل ولا يمار، وليتحمل بحسن التحمل ما تجده النفس هنالك من الذل والهوان رجاء ما يعقبه من المعز والرفعة، كما يتحمل ما يلقاه من الغربة والضيق وسوء الحال، فإن عاقبة ذلك كله خير، ولبعضهم:

فمن لم يذق ذل التعلم ساعة ... تجرع كأس الجهل طول حياته

وقال آخر:

إن المعلم والطبيب كليهما ... لا ينصحان إذا هما لم يكرما

فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه ... واصبر لجهلك إن جفوت معلما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015