العلم ضالة المؤمن لا يستنكف أن يأخذها ممن وجدها بيده رفيعا أو وضيعا، وليأخذ عمن أخذ العلم من أهله وتأدب بالمتأدبين، ولا يأخذ عن صحفي وهو من أخذ العلم من بطون الأوراق فقط. ويروى عن الإمام الشافعي: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام، وللداني رحمه الله تعالى:
والعلم لا تأخذهُ عن صحْفي ... ولا حروف الذكر عن كُتْبيِّ
قال جامعه عفا الله تعالى عنه: والظاهر أنه أراد بحروف الذكر كيفية قراءة القرآن. والله سبحانه أعلم.
وقال بعضهم: من أخذ الفقه من بطون الكتب غَيَّرَ الأحكام، ومن أخذ النحو من بطون الكتب لحن في الكلام، ومن أخذ الطب من بطون الكتب قتل الأنام، ومن أخذ التصوف من بطون الكتب خرج من الإسلام.
ومن آداب التلميذ أيضا: أن ينقاد إلى شيخه في أموره كلها ولا يخرج عن رأيه وطاعته، بل يكون كالميت بين يدي الغاسل وكالمريض بين يدي الطبيب، فيخدمه ولا يمل من خدمته، ويحمد الله تعالى عليها، ويتبع إشارته فيما يأمره به، قال الشيخ أبو حامد رضي الله تعالى عنه: ومهمى أشار عليه شيخه بطريق في التعليم فليقلده وليدع رأيه، فخطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه، وقد نبه الله تعالى على ذلك في قصة موسى صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه، بقوله: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، هذا مع علو قدر موسى في الرسالة والعلم حتى شرط عليه السكوت، فقال: {فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}.
ومن آداب التلميذ مع الشيخ أيضا: أن يعرف له حقه، ويشكر صنيعه، والمنة التي أجرى الله تعالى على يديه، ويعتقد أنه أبوه بالولادة الروحانية وهي أفضل من الطبيعية، فلا يزال مثنيا عليه ومستغفرا له، وداعيا له ومسديا إليه غاية بما أمكنه من الإحسان مالا وخدمة كما قيل:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا