إمساك أصلا، وإلا ندب الإمساك شهدا بليل أو نهار، وإن شهدا بليل وكانت تزكيتهما تتأخر للنهار فليس على الناس أن يبيتوا الصيام.
ابن عبد الحكم: ولو شهد شاهدان برؤية الهلال فاحتاج القاضي إلى الكشف عنهما وذلك يتأخر فليس على الناس صيام، فإن زكيا بعد ذلك أمر الناس بالقضاء، وإن كان في الفطر فلا شيء عليهم فيما صاموا. قاله الحطاب. أو زوال عذر مباح له الفطر؛ يعني أن من كان ذا عذر يباح لأجله الفطر فأفطر وزال عنه في أثناء النهار وكان ذلك من رمضان، لا يندب له الإمساك عن المفطرات في بقية يومه بسبب زوال عذره المبيح للفطر، فقوله: "زوال"، عطف على قوله: "لتزكية". مع العلم برمضان، الظرف متعلق بمباح؛ أي أن العذر الذي يبيح لصاحبه الفطر مع علمه برمضان لا يندب له الإمساك عند زوال عذره حيث أصبح مفطرا، وليس قوله: "مع"، متعلقا بزوال. قاله غير واحد.
وعلم من هذا أن قوله: "مع العلم برمضان"، تبيين لحقيقة العذر، فالعذر الذي لا يباح له الفطر على تقدير العلم برمضان كالعدم، فزواله غير معتبر كخفيف مرض لا يباح لأجله الفطر، ومثل للعذر الذي يبيح الفطر في رمضان للعالم به، بقوله: كمفطر؛ يعني أن من اضطره العطش للشرب فشرب ثم زال عطشه، لا يندب له الإمساك في بقية اليوم الذي شرب فيه: وكذا من أصبح صائما فحصلت له ضرورة من جوع اقتضت فطره فأفطر لذلك؛ فإنه لا يندب له الإمساك، بل له أن يستديم الفطر بقية يومه ولو بالجماع عند سحنون. وقال ابن حبيب: يزيل ضرورته فقط، قال: -يعني ابن حبيب- فإن أكل بعد ذلك جهلا أو تأويلا أو تعمدا، فلا كفارة؛ لأنه شبيه بالمريض. قاله في التوضيح.
اللخمي: والأول أقيس لأنه أفطر لوجه مباح، قياسا على العَطِش إذا كان يعلم أنه لا يوفي بصومه إلا أن يشرب في نهاره مرة واحدة، فإن له أن يبيت الفطر ويأكل ويصيب أهله، ولو كان برجل مرض يحتاج إلى الدواء في النهار إلى الشيء اليسير من شربة، لم يؤمر بالصيام ولا بالكف عما سوى ما يضطر إليه، والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في مسألة الضطر لأكل الميتة، والمشهور في مسألة الميتة أنه يأكل ويشبع ويتزود، وكذا هنا يشرب ويأكل حتى يشبع ويجامع إن شاء،