استشراف نفس أي تطلعها يسوغ أكله وقبوله، أما المسألة وما أتى عنها فقد مر حكمهما، وأما ما لم يأت عن مسألة لكنه استشرفت نفسه إليه، فالذي يفيده كلام الشيخ العارف بالله تعالى ابن عباد رضي الله عنه أنه مكروه, أو خلاف الأولى، فإنه قال رضي الله عنه في شرح الحكم: الاستشراف إلى الناس مذموم وقادح في التوحيد، فلا ينبغي أن يأخذ المريد عطاء على هذا الوجه، وفي حديث مسلم والبيهقي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر رضي الله عنه العطاء, فيقول له عمر: أعطه يا رسول الله من هو أفقر إليه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه فتموله أو تصدق به، وما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك (?)). قال سالم بن عبد الله: فمن أجل ذلك كان عمر لا يسأل الناس شيئا، ولا يرد شيئا أعطيه. وفي الحديث أيضا: (ما جاءك من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه فإنما هو رزق ساقه الله إليك (?)). الإشراف: التعرض للشيء والحرص عليه، قال أبو داود: وسألت عنه أحمد، فقال: هو بالقلب، وقال يعقوب بن محمد: سألت أحمد عنه، فقال: هو أن يقول في نفسه يبعث إلي فلان بكذا، نقله ابن زكري.
وعلم مما مر مصرف صدقة التطوع؛ فهي مباحة لكل أحد من غير طلب إن لم تكن على صفة مفقودة في المتصدق عليه حيث لم يكن محتاجا: ومع الطلب تجوز للمحتاج ولا تجوز لغير المحتاج, وقد مر حديث: (من سأل وله أوقية فقد سأل الناس إلحافا (?))، قال ابن عبد البر: المراد أوقية من الفضة لأن الأوقية إذا أطلقت فإنما يراد بها الفضة دون غيرها, والأوقية أربعون درهما، فمن سأل وله هذا القدر من الفضة أو ما يقوم مقامه فهو مُلْحِفٌ، والإلحاف في كلام الرب الإلحاح باتفاق جميع أهل اللغة، والإلحاح على غير الله مذموم؛ لأنه قد مدح الله بضده، فقال: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، والسؤال لمن ملك هذا القدر مكروه وليس بحرام، وأما ما يحرم فيحرم الإلحاح فيه وغير الإلحاح والتعرض له، وما جاء من غير مسألة فله أكله إن كان من غير الزكاة بلا خلاف؛ لأنه يجوز أكل الصدقة غير الزكاة للغني والفقير، وقد جاء في