على ما تجب به الفتوى فإن طلب في السؤال جلب نص المسألة أو توقع نزاع منازع فيها فليأت بالنص معزوا لناقله بلفظه وهو أحوط أو بمعناه لغرض إيضاح أو اختصار بشرط أن لا يغير من المعنى شيئا ولا ينقص ولا يزيد، وإن كان السؤال في مهمات الدين ومصالح المسلمين وله تعلق بولاة الأمور فيحسن من المفتي الإسهاب والإطناب في الجواب والمبالغة في إظهار الحق بالعبارة السريعة للفهم والتهديد على الجناة والحض على المبادرة لتحصيل المصالح ودرء المفاسد وبسط الأدلة على ذلك، وإذا كان في المسألة قول فيه تخفيف وآخر فيه تشديد فلا ينبغي أن يفتي العامة بالتشديد وولاة الأمر بالتخفيف فإن ذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين، وإذا كانت المسألة من دقائق العلوم والسائل ممن لا يعنيه الخوض في ذلك فلا يجيبة بل يرشده إلى الاشتغال بما يعنيه من أمور عبادته ومعاملاته وإن فهم منه أنه عرضت له شبهة في عقائده فليقبل عليه وليتلطف في إزالتها ولو بالأدلة الإقناعية دون البراهين ويضرب له الأمثال بلغته والأحسن أن يكون باللسان لأن اللسان كما قيل حي والقلم ميت والخلق عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله، وينبغي له تحسين الزي والهيئة على القانون الشرعي فإن الخلق مجبولون على تعظيم الصور الجميلة فيكثر الاهتداء به، وأن يكون حسن السيرة والسريرة فمن أسر سريرة كساه الله رداءها، ويقصد بذلك التوسل إلى إيصال الحق. وقد ذكر بعض الأئمة أنه نهى قوما عن منكر أو أمرهم بمعروف فلم يبالوا به وكان لابسا ثيابا غير الفاخرة المعروفة للعلماء فذهب ولبس ثياب العلماء ورجع إليهم فنهاهم أو أمرهم فامتثلوا، وقال تعالى حكاية عن الخليل صلاة الله وسلامه على نبينا وعليه {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} قال العلماء أي ذكرا حسنا وثناء جميلا ليقتدي الناس بي وقد استنبط بعض العلماء من قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} الآية أنه يستحب للعلماء تحسين اللباس وتكبير العمائم ليعظموا في نفوس العامة فيمتثلوا ما بلغوا لهم من أمر ونهي، وينبغي له أن يكون كثير الورع قليل الطمع وليبدأ بنفسه في كل خير يفتي به فهو أصل استقامة الخلق لفعله، وأن يكون جلدا في دين الله صدوعا بالحق لا تأخذه في الله لومة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015