سأل مالكي شافعيا عن ترك الدلك فلا يبيحه له لأنها تبطل باتفاق الإمامين: مالك لعدم الدلك، والشافعي لعدم البسملة، وينبغي للمفتي أن لا يأخذ بظاهر لفظ المسائل العامي حتى يتبين قصده فإن العامة ربما عبروا باللفظ الصريح في معنى عن معنى آخر، وإذا وجد المفتي في آخر السطر من السؤال أومن فتوى من سبقه بياضا فليسده بما يليق به ولا يتركه ليلا يتخذ ذريعة إلى الباطل بزيادة قيد في البياض يتغير الحكم بسببه، وحكي أن بعض الفقهاء المشهورين كتب له من أراد تنقيصه سؤالا عمن مات عن أم وأخ لأم وترك بياضا آخر السطر ثم قال وابن عم فكتب الفقيه للأم الثلث وللأخ للأم السدس وما بقي لابن العم، فلما قبض المسائل الفتوى كتب في البياض وأب ثم دوَّر الفتوى على الناس بالكوفة وقال انظروا إلى فلان حجب الأب بابن العم، فقال أصحابه مثله ما يجهل هذا فقال هذا خطه شاهدا عليه فوقعت فيه فتنة عظيمة بين فئتين عظميتين من الفقهاء، ولا يفتي السائل إن اتهمه أنه أراد بالفتوى توصلا إلى باطل فإن كان ولابد فلينبه فيها على وجوب اجتناب ذلك الباطل كمن قتل له قتيل وأراد إثارة الفتنة فيسأل هل لولي المقتول المطالبة بدمه، فإذا أفتي بذلك يذهب لقبيلة يستنصر بها ويقول أفتاني العلماء بأن الطلب يجوز لي فيزحف إلى قبيلة القاتل فتقع فتنة عظيمة فهذا ترك الفتوى له أولى، وإن أفتى زاد في الجواب إن كانت المطالبة تؤدي إلى الفتنة فليس للولي المطالبة. ومثل هذا كثير فليتحرز منه الفقيه فإن الفقهاء أمناء الله على خلقه فمتى علم الفقيه قصدهم اتخاذه سلما للخيانة فلا يساعدهم بل يحتاط على أداء الأمانة على وجه يرضي الرب وإلا كان خائنا ممقوتا والعياذ بالله تعالى.
وليبذل المفتي جهده في تحري الصواب فإذا أراد أن يخرِّج فليبحث وليجتهد في مطالعة النصوص ليلا يكون فيها ما ينافي مقتضى التخريج، إذ لا يعمل بالمخرج مع وجود النص، ثم يبحث في قواعد الإجماع وقواعد مذهبه هل فيها ما يقتضي فرقا بين الفرع والأصل فمتى وجد فرقا أو شك فيه حرم القياس، ثم ينظر في قواعد القياس وأركانه وما يتعلق بكل منها وفي القواعد المخلة بالدليل. ولهذا لا يجوز التخريج إلا لمن هو شديد الاستحضار لقواعد مذهبه وقواعد الإجماع، وكان واسع الاطلاع على نصوص مذهبه وكانت له معرفة بعلم الأصول وعلوم العربية وفهم حسن وإلا امتنع التخريج، وإذا أراد الفتوى بالمنصوص فلا بد أن يكون له من الاطلاع على المنقول ما لا