كنسبة إمامه إلى صاحب الشريعة في اتباع نصوصه والتخريج على مقاصده فلهذا لا يجوز التخريج إلا لمن هو عالم بتفاصيل الأقيسة والعلل ورتب الصالح وشروط القواعد وما يصلح أن يكون معارضا وما لا يصلح وهذا لا يعرفه إلا من عرف أصول الفقه معرفة حسنة.
واعلم أن من لا حفظ له ولا فهم أو له مجرد الحفظ بلا فهم لا يجوز له التصدي للفتيا لغيره ولا الاقتداء في نفسه بما يظهر له من غير دليل، وقد ذكر بعض شراح الرسالة أن من البدع المجمع على تحريمها تقديم الجهال على العلماء، وتولية المناصب الشرعية بالتوارث لمن لا يصلح لها، ومن له فهم ثاقب وليس بحافظ لكن له كتب معتمدة وممارسة لها ومعرفة بمظان المسائل فهو ملحق بالحافظ لأن الحفظ حفظ صدر وحفظ كتاب لكن لا بد له من دوام المارسة، كما يتأكد ذلك أيضا على الحافظ قال ابن عبد السلام من لا يختم التهذيب مرة في العام لا يفتي به قلت ومثل التهذيب مختصر الشيخ خليل في زمننا بل قال لنا شيخنا الحبيب قدس سره ينبغي أن يختم مرتين في العام قال جميعه الهلالي، وقد تقدم أن ما به الفتوى المتفق عليه والراجح والمشهور، والراجح ما قوي دليله، والمشهور ما كثر قائله كما يناسب معناه لغة فإن تعارضا فمقتضى نصوص الفقهاء والأصوليين أن العمل بالراجح واجب، وقيل المشهور ما قوي دليله فيترادف مع الراجح.
واعلم أن قول مالك في المدونة مقدم على قول ابن القاسم فيها، وقول ابن القاسم فيها مقدم على قول غيره فيها: وقول غيره فيها مقدم على قوله أي ابن القاسم في غيرها، ويؤخذ مما مر تقديم قول ابن القاسم إذا كانا معا في غيرها ولم يكن للمسألة ذكر فيها، وبذلك جرت أحكام قرطبة وهذا لمن قصر عن الاجتهاد وإلا وجب عليه بذل وسعه في الترجيح كما قاله غير واحد قاله الشيخ الهلالي، ومقابل المشهور يسمى الشاذ والضعيف ومقابل الراجح.
واعلم أن من يكتفي بأن يكون في فتياه أو عمله موافقا لقول أو وجه في المسألة ويعمل بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح فقد جهل وفارق الإجماع، وحكى الباجي عمن يوثق به أنه وقعت نازلة فأفتى فيها جماعة وهو غائب بما يضره فلما عاد سألهم فقالوا ما علمنا أنها لك وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه، وهذا حرام بالإجماع وإذا حرم هذا بالإجماع مع صحة نسبة القول إلى قائله فكيف حال من يكتفي بكل ما يجده غير منسوب أو منسوبا لمن لا يعرفه أو لمن لا