وَفِيهِ دَخَنٌ"، قلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (وفيه دخن) الدخن محركة: الدخان، والدخنة كدرة في سواد, ودخنت النار كمنع ونصر دخنًا ودخونًا وأدخنت: ارتفع دخانها، وكفَرِحَتْ: ألقي عليها حطب فأُفسِدَتْ ليهيج لها دخان، ودخنت النبت والدابة: صارت ألوانهما كدرة في سواد, ومنه: (هدنة على دخن) أي: على فساد واختلاف تشبيهًا بالدخان لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصلاح الظاهر، والمعنى: خير ممزوج بشر، فالشر فيه أنه لا يرجع قلوب قوم على ما كانت عليه، أي: لا يصفو بعضها لبعض ولا ينصع حبها، كالكدرة التي في لون الدابة، وقيل: (فيه دخن) أي: لا تكون الاعتقادات صحيحة والأعمال صالحة، وعدل الملوك خالصًا، ويرتكب فيه البدع والمناهي.
وقوله: (يهدون) على وزن يبغون بدون تاء الافتعال، وفي رواية مسلم: (أئمة لا يهتدون) بلفظ الافتعال.
وقوله: (تعرف منهم وتنكر) أي: ترى فيهم المعروف والمنكر جميعًا، أو تعرف منهم المنكر؛ بأن يصدر منهم المنكر، و (تنكر) خبر بمعنى الأمر، والمعنى الأول أظهر وأنسب بقوله: (نعم، وفيه دخن)، وليس في قوله: (يستنون بغير سنتي) دليل على المعنى الثاني، فإنه مع وجود الاستنان بغير سنة فيهم خير معروف، فافهم.
قالوا: الخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز، والذين تعرف منهم وتنكر الأمراء بعده، ومنهم من يدعو إلى بدعة كالخوارج.
وقيل: يحتمل أن الشر زمان قتل عثمان والخير بعده زمان علي، والدخن الخوارج، والشر بعده زمان الذين يلعنون على المنبر.