الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فنستأنف بإذن الله تعالى ما كنا بصدده من ذكر خصائص الصلاة وفضائلها، وقد ذكرنا أن الصلاة أعظم الأركان بعد الشهادتين، وأنها أهم أمور الدين، وأنها توءم الفرائض والأركان، وأنها أم العبادات، وأنها أمر الله تبارك وتعالى، وأنها الوصية الأخيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها مرآة عمل المسلم وميزان تعظيم الدين في قلب المؤمن، وأنها دعامة جميع الشرائع السماوية، وأنها شعار دار الإسلام، وأنها إيمان، وأنها براءة من النفاق، وأنها سبيل المؤمنين وشعار حزب الله المفلحين، وأوليائه المرحومين، وأنها القاسم المشترك بين عبودية الكائنات، وأنها خير موضوع، وأنها زلفى وقربى إلى الله عز وجل، وأنها مدرسة خلقية، وأنها راحة وسعادة وقرة عين، وأنها نور وبرهان ووضاءة، وأنها من سنن الهدى، وأنها منحة ربانية، وأنها شكر لنعم الله تعالى، وأنها إغاظة للكافرين ومراغمة لأعداء الدين، وأنها تحرير للبشرية، وأنها ناهية عن المنكرات وعاصمة من الشهوات، وأنها كفارة للسيئات وماحية للخطيئات، وأنها ملجأ المؤمن في الكربات، وانتهينا إلى بيان أن الصلاة حفظ وحماية للمصلي.
أيضاً من خصائص وفضائل الصلاة: أنها مجلبة للرزق، لقد أوجب الله سبحانه وتعالى الصلوات الخمس على المؤمنين، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]، ومن رحمته بعباده أنه خففها عز وجل من خمسين صلاة في اليوم والليلة إلى خمس صلوات.
ولو بقي الأمر على ما كان عليه، وفرض علينا في اليوم والليلة خمسين صلاة، لكان حتماً واجباً علينا أن نحافظ عليها، وإلا حق علينا الوعيد الإلهي، فمن رحمة الله تبارك وتعالى أنه خففها من خمسين صلاة في اليوم والليلة إلى خمس صلوات، كما أمرنا بالمداومة على إقامتها في أوقاتها، قال تعالى: {والَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:23]، وليس المراد من المداومة استغراق الليل والنهار بها، ولكن المطلوب فقط هو أداؤها في أوقاتها؛ كي يستطيع الإنسان أداء الواجبات الأخرى كتحصيل معاشه ونحو ذلك.