لقد كان شأن الصحابة الأبرار رضي الله تعالى عنهم أجمعين الفزع عند النوازل والكربات إلى الصلاة، فعن النضر قال: (كانت ظلمة على عهد أنس فأتيته فقلت: يا أبا حمزة! هل كان هذا يصيبكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: معاذ الله! إن كانت الريح لتشتد فنبادر إلى المسجد مخافة أن تكون القيامة) هكذا كان شأن الصحابة؛ لأنهم تعلموا من النبي عليه الصلاة والسلام أن يفزعوا إلى الصلاة.
كذلك كان شأن التابعين لهم بإحسان في كل جيل فالصلاة كانت بالنسبة لهم كالسيف أو السلاح في يد الجندي، فالجندي إذا أصابه أي فزع يفزع إلى السلاح؛ كي يحمي به نفسه أو من يحرسه، فكذلك المؤمن إذا نزلت به ملمة يفزع إلى الصلاة.
والغني إذا احتاج يفزع إلى أن يسحب من حسابه أو من ماله حتى يسد حاجته، بل الطفل الصغير يبكي ويصرخ حتى يستعطف أمه لتحن عليه وترحمه، والسلف كانوا أكثر إدلالاً وثقة بصلاتهم، وأقوى اعتماداً عليها من كل ذلك، وأصبح ذلك طبيعة لهم لا تفارقهم، فإذا فزعوا أو أثيروا أو داهمهم عدو أو تأخر عليهم فتح أو التبس عليهم أمر؛ التجئوا إلى الصلاة وفزعوا إليها.
كانت هذه أيضاً سيرة أعلام وأئمة المسلمين وقادتهم في كل عصر ومصر، فهذا صلاح الدين الأيوبي إذا راجعتم سيرته تجدون فزعه إلى الصلاة وذكر الله عز وجل وقراءة القرآن.
وهكذا من تتبع معارك المسلمين وجهادهم ومواقفهم تجد فزعهم دائماً إلى الصلاة، ولعل هذا من حكمة تشريع صلاة الخوف حتى في أثناء الجهاد، حتى يبقى هناك المدد متصلاً مع الله سبحانه وتعالى خلال هذه الصلاة.
حكي عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه كان إذا أشكلت عليه آية، أو استصعب عليه علم عمد إلى بعض المساجد المهجورة، فقام يصلي، ويعفر وجهه بالتراب، ويطيل السجود، ويقول: يا معلم إبراهيم، علمني، ويا مفهم سليمان! فهمني، أخذاً من قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:79].
وكان شديد الابتهال عظيم التذلل لله تبارك وتعالى، ويفتخر بأنه سائل مستجد عريق في الشحاذة منه سبحانه، وقد ورثها أباً عن جد، فقد سمع شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ينشد في بعض مناجاته ودعواته: أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي يعني: أنني عريق في التسول من الله، عريق في الشحاذة والسؤال والافتراش على عتبته، أسأله وأتذلل إليه تبارك تعالى أن يقضي حاجتي.