إن على الأب أو المربي أن يعلم أن العقاب البدني بشروطه هو الوسيلة الأخيرة للعقاب؛ كي لا يتعود عليه الطفل، وبالتالي لا يجدي استعماله فيما بعد، مسألة العقاب البدني بالنسبة للطفل موضوع شائك للغاية، يساء فهمه وتطبيقه عند كثير من الناس، وله ضوابط إن شاء الله سنتكلم عنها بعد الفراغ من بحث الصلاة؛ لأنه من الموضوعات التربوية المهمة؛ ولأن درء المضار مقدم على جلب المنافع، فموضوع الضرب يساء فهمه نتيجة جهل الناس بموضوع التربية، حتى أن بعض الناس يظن أنه لو لم يضرب ولده فكأنه ضيع سُنة، ويحس بتقصير إذا لم يضرب الأطفال! لا يوجد نزاع على الإطلاق في أهمية وضرورة مبدأ الثواب والعقاب في التربية، فهو مبدأ أساسي جداً ومهم، لكن ليس من شرط العقاب أن ينحصر في الضرب، فالضرب له شروط كثيرة سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى بالتفصيل، لقد شرع الضرب للأطفال عند سن العاشرة، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين)، فإذا كانت الصلاة التي مقامها في الإسلام عظيم، ومع ذلك لا يضرب عليها الطفل إلا بعد بلوغ العاشرة، فما بالك بما عدا الصلاة؟! إننا نرى بعض الآباء القساة غلاظ القلوب يضربون الأطفال ضرباً مبرحاً على أتفه الأشياء! والشيء الغريب الذي دائماً نكرره، والخطيئة المتكررة في التربية التي لا يتفطن إليها كثير من المربين؛ أن طفلك ليس أنت، وعلى الإنسان ألا يساوي عقله بعقل الطفل، فالضرب بعنف خرج عن كونه نوعاً من أنواع العلاج، فالضرب شرع بشروط كعلاج، لكن إذا كان سيتحول إلى داء لا دواء فلا داعي له، فالضرب له هدف تربوي، ولذلك لا يجوز للإنسان أن يضرب وهو غضبان كما هو معلوم في الآداب الشرعية، فلا تضرب الطفل وأنت غضبان، بل تريث إلى أن تذهب ثورة غضبك، وتقرر الضرب وأنت هادئ؛ لأنه في هذه الحالة سيكون الهدف من الضرب هو التقويم والعلاج، لكن في حالة الغضب سيكون الهدف هو إفراغ شحنة الغضب في ضرب الطفل، ولن يتوقف الضرب حتى تهدأ نفس الضارب ويخرج شحنة الغضب، وليس هذا هو الضرب المشروع لتربيةً الطفل، بل صار وسيلة عقاب وانتقام للنفس وليس هدفاً.
قضية الثواب والعقاب لا مناص منها في العملية التربوية؛ لأن هذه وسيلة من وسائل التربية، لكن معنى العقاب أشمل من أن يكون بالضرب، فهناك وسائل كثيرة للعقاب متعددة، ولا بد أن يكون العقاب متناسباً مع حجم الخطأ بحيث لا يستعمل العقاب الشديد على خطأ تافه، وهكذا.
إن العقاب البدني بشروطه هو الوسيلة الأخيرة للعقاب؛ لأن الطفل إذا تعود على الضرب فإن جسمه سيفقد الإحساس بالضرب، ولا يعد يهمه الضرب؛ لأن كرامته أهدرت؛ لأن بعض الناس المتهورين يربط الضرب بالتحقير والشتم والسب، وهذه الألفاظ في الغالب تهدر كرامة الطفل، ثم إن الطفل لا يتأثر بسماع هذه الأشياء، ولا يجدي استعمال الضرب معه فيما بعد، لكن كلما كان الضرب نادراً ومنضبطاً أتى بالتأثير.