الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.
أما بعد: فقد شرعنا في بيان شؤم ترك الصلاة على تاركها، وبينا أن ترك الصلاة كفر، وأنه من أكبر الكبائر الموبقة، وأنه نفاق، وأنه سواد وظلمة وهلكة في الدنيا والآخرة، وأنه من أسباب سوء الخاتمة، وأنه من أسباب عذاب القبر، وأنه شعار أصحاب سقر، وأنه سبب الغرق في الشهوات، وأنه مصيبة وبلاء، فعن نوفل بن معاوية رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله) أي: من فاتته أي صلاة من الصلوات حتى خرجت عن وقتها فقد أصيب بمصيبة كبرى، وفاجعة عظمى، وصار كمن أصيب في أهله وماله جميعاً، ولم يبق له أهل ولا مال، ومثل ذلك قوله تعالى: (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:35].
قال الخطابي: ومعنى (وتر) أي: نقص وسلب، فبقي وتراً وحيداً بلا أهل ولا مال، والمعنى: فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله.
وفي لفظ عند عبد الرزاق: (لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) متفق عليه.
والموتور: من أخذ أهله وماله وهو ينظر إليهم، ولا شك أن ذلك أشد لغمه، ومن فاتته الصلاة فقد أشبه هذا الرجل؛ لأنه اجتمع عليه أنواع الغم والهم، فاجتمع عليه غم الإثم والذنب العظيم بتفويت وتضييع الصلاة، وغم فقد الثواب الذي كان سيناله لو حافظ على الصلاة، كما يجتمع على الموتور غمان: غم السلب، وغم الطلب بالثأر.
وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ترك صلاة العصر حبط عمله) رواه البخاري.
وقد توعد الله عز وجل من أعرض عن ذكره فقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] أي: فليبشر تارك الصلاة بمحاربة الله إياه، ولا شك أن الصلاة أعلى أنواع الذكر؛ وذلك لقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]، بل هي تشتمل على كل أنواع الذكر.
إذاً: فليعلم تارك الصلاة أنه لإعراضه عن ذكر الله سيحاربه الله بالمعيشة الضنك، وأن الله يحشره يوم القيامة أعمى، فسوف يحاربه الله بتنغيص عيشه، وتكدير قلبه، وتشتيت همه، وتفريق شمله، وحضور فقره، وفساد أحواله، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى.