إن الصلاة سبيل المؤمنين، وشعار حزب الله المفلحين، وأوليائه المرحومين، فمن لم يصل فهو من حزب الشيطان الخاسرين، وهو عدو الله ورسوله والمؤمنين؛ لأن ولي الله عز وجل لابد أن يكون مقيماً للصلاة، يقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
وعن إبراهيم ومجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28] قالا: الصلوات الخمس.
وعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: من الصديقين والشهداء).
فهؤلاء المصلون هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهم الذين تبكي لفراقهم السماء والأرض إذا أفضوا إلى ربهم، وهؤلاء هم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الذين افترض الله علينا أن نسأله في اليوم والليلة سبع عشرة مرة أن يهدينا صراطهم، حيث قال عز وجل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7].
إن الشريعة الغراء ندبتنا إلى أن ننظر دائماً إلى من هو فوقنا في الدين وفي العبادة، كما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (انظروا إلى من هو أسفل منكم في الدنيا، وإلى من فوقكم في الدين).
وقال الله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205] وفي هذه الآية ما يقوي دواعي الذكر، وينهض الهمم إليه، ثم ذكر أمراً يقوي دواعي الذكر وينهض الهمم إليه بأن مدح الملائكة بقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف:206] والمقصود من هذه الإشارة أنه أمر أولاً بالذكر، ثم ختم السورة بذكر حال الملائكة، واجتهادهم في ذكر الله تبارك وتعالى؛ لأجل الاقتداء بهم فيما ذكر عنهم؛ لأنه إذا كان حال أولئك -وهم في أعلى مقامات القرب والعصمة- يجتهدون في العبادة بهذه الصورة، فكيف ينبغي أن يكون غيرهم؟ إذاً: ينبغي لنا أن نستحضر حال هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واجتهادهم في الصلاة؛ كي تنهض هممنا إلى الاقتداء بهم.