ثم قال عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] وهذا تعميم بعد تخصيص؛ لأن التقدم بين يدي الله ورسوله مخالف للتقوى, لكن نص عليه وقدمه لأهميته, ثم قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] أي: اتخذوا وقاية من عذاب الله عز وجل, وهذا لا يتحقق إلا إذا قام الإنسان بفعل الأوامر وترك النواهي, بفعل الأوامر تقرباًَ إلى الله تعالى ومحبة لثوابه, وترك النواهي خوفاً من عقاب الله عز وجل.
ومن الناس من: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:206] فتصاعد في نفسه، وعز في نفسه وأوغل في الإثم, وانتفخت أوداجه, ويقول: أمثلي يقال له: اتق الله؟! وما علم المسكين أن الله خاطب من هو أشرف منه, ومن هو أتقى عباد الله لله فأمره بالتقوى, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:1] وفي نفس السورة قال: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] ومن الذي لا يستحق أن يؤمر بتقوى الله؟ كل أحد منا يستحق أن يؤمر بتقوى الله عز وجل، والواجب أنه إذا قيل له: اتق الله أن يزداد خوفاً من الله وأن يراجع نفسه, وأن ينظر ماذا أمر به؛ لأنه لم يؤمر أن يتقي فلاناً وفلاناً، وإنما أُمر أن يتقي الله عز وجل, وإذا فسرنا التقوى بذلك أي: بما قلنا من أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره تقرباً إليه ومحبة لثوابه, وترك نواهيه خوفاً من عقابه, فإن أي إنسان يترك واجباً فإنه لم يتق الله, وقد نقص من تقواه بقدر ما حصل منه من المخالفة, فترك الصلاة -مثلاً- ترتفع عنه التقوى نهائياً؛ لأن تارك الصلاة كافر, كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة, حتى إن بعض العلماء حكى إجماع الصحابة: على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة, ومنهم التابعي المشهور عبد الله بن شقيق رحمه الله, حيث قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة] وكذلك نقل إجماعهم إسحاق بن راهويه , ولم يصح عن أي صحابي أنه قال: إن تارك الصلاة في الجنة, أو إنه مؤمن, أو ما أشبه ذلك فالتقوى مخالفتها تختلف، قد تكون مخالفتها كفر، وقد تكون دون ذلك, الزاني لم يتق الله؛ لأنه زنى فخالف أمراً وعصاه, السارق لم يتق الله, شارب الخمر لم يتق الله, العاق لوالديه لم يتق الله, القاطع لرحمه لم يتق الله, والأمثلة على هذا كثيرة, إذاً فقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] كلمة عامة شاملة تشمل كل الشريعة.