قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] هذه الجملة تحذير لنا أن نقع فيما نهانا عنه من التقدم بين يدي الله ورسوله أو أن نخالف ما أمر به من تقواه, (سَمِيعٌ) أي: سميع لما تقولون, (عَلِيمٌ) أي: عليم بما تقولون وما تفعلون؛ لأن العلم أشمل وأعم, إذ أن السمع يتعلق بالمسموعات، والعلم يتعلق بالمعلومات, والله تعالى محيط بكل شيء علماً {لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] .
يقول العلماء رحمهم الله: إن السمع الذي اتصف به الرب عز وجل ينقسم إلى قسمين: سمع إدراك, وسمع إجابة.
فسمع الإدراك معناه: أن الله يسمع كل صوت, خفي أو ظهر, حتى إنه عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] قالت عائشة رضي الله عنها: [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات, لقد كنت في الحجرة -أي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم- والمرأة تجادله وهو يحاورها وإنه ليخفى عليّ بعض حديثها] والله عز وجل أخبر أنه سمع, ويسمع كلما جرى بين هذه المرأة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم, هذا نقول له: إنه سمع إدراك.
ثم إن سمع الإدراك قد يراد به بيان الإحاطة والشمول, وقد يراد به التهديد, وقد يراد به التأييد, فهذه ثلاثة أنواع: قد يراد به الإحاطة والشمول مثل هذه الآية.
وقد يراد به التهديد مثل قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181] وانظر كيف قال: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} حين وصفوا الله تعالى بالنقص قبل أن يقول: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاء َ) [آل عمران:181] مما يدل على أن وصف الله تعالى بالنقص أعظم من قتل الأنبياء.
الثالث: سمع يراد به التأييد ومنه قوله تبارك وتعالى لموسى وهارون: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] فالمراد بالسمع هنا التأييد, أي: أسمع ما تقولان وما يقال لكما.
أما سمع الإجابة فمعناه: أن الله يستجيب لمن دعاه, ومنه دعاء إبراهيم: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39] أي: مجيب الدعاء, ومنه قول المصلي: سمع الله لمن حمده, أي: استجاب لمن حمده فأثابه, ولا أدري أنحن ندرك معنى ما نقوله في صلاتنا؟ أم أننا نقوله تعبداً ولا ندري ما المعنى, عندما تقول: الله أكبر في تكبيرة الإحرام أي: أكبر من كل شيء ولا نحيط بذلك؛ لأنه أعظم من أن تحيط به العقول, وعندما نقول: سمع الله لمن حمده, أي: استجاب الله لمن حمده, ليس المعنى أنه يسمع فقط؛ لأن الله يسمع من حمده ومن لا يحمده إذا تكلم, لكن المراد أنه يستجيب لمن حمده بالثواب, فهذا السمع يقتضي الاستجابة لمن دعاه.
أما قوله تعالى: (عَلِيم) فالمراد أنه ذو علم واسع قال الله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12] .
عندما تؤمن -أيها الأخ- بأن الله سميع وأن الله عليم, هل يمكن وأنت في عقلك الراشد أن تقول ما لا يرضيه؟! لا؛ لأنه يسمع, فلا ينبغي لك أن تسمع الله ما لا يرضاه منك, أسمعه ما يحبه ويرضاه, إذا كنت مؤمناً حقاً بأن الله سميع, لو أن أباك نهاك عن قول من الأقوال فهل تتجرأ أن تسمعه ما نهاك عنه؟ لا.
فالله أعظم وأجل, فاحذر أن تسمع الله ما لا يرضاه منك, إذا آمنت بأنه بكل شيء عليم, وهذا أعم من السمع؛ لأنه يشمل القول والفعل وحديث النفس, حتى ما توسوس به نفسك يعلمه عز وجل, إذا علمت ذلك هل يمكن أن تفعل شيئاً لا يرضيه؟ لا.
لأنه ليس المقصود من إخبار الله أنه عليم بكل شيء أن نعلم هذا ونعتقده، لا.
المقصود هذا والمقصود شيء آخر وهو الثمرة والنتيجة التي تترتب على علمنا أنه بكل شيء عليم, إذا علمنا أنه بكل شيء عليم هل نقول ما لا يرضى؟ لا.
لأنه سوف يعلمه, إذا علمنا أنه بكل شيء عليم هل نعتقد ما لا يرضى؟ لا.
لأننا نعلم أنه يعلم ما في قلوبنا, قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:235] بل قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] يحول بينك وبين قلبك.
فعلى كل حال: يجب علينا -أيها الإخوة- إذا مر بنا اسم من أسماء الله أو صفة من صفات الله, أن نؤمن بهذا الاسم وهذه الصفة, وأن نقوم بما هو الثمرة من الإيمان بهذا الاسم والصفة.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة في ديننا ودنيانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.