رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بدأ في وجعه الذي مات فيه.

فقد تبين أن أول مرضه كان صداع الرأس والظاهر أنه كان مع حمى فإن الحمى اشتدت به في مرضه فكان يجلس في مخضب ويصب عليه الماء من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن يتبرد بذلك وكان عليه قطيفة فكانت حرارة الحمى تصيب من وضع يده عليه من فوقها فقيل له في ذلك؟ فقال: "إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر وقال: إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" ومن شدة وجعه كان يغمى عليه في مرضه ثم يفيق وحصل له ذلك غير مرة فأغمي عليه مرة وظنوا أن وجعه ذات الجنب فلدوه فلما أفاق أنكر ذلك وأمر أن يلد من ولده وقال: "إن الله لم يكن ليسلطها علي - يعني ذات الجنب- ولكنه من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر" يعني: أنه نقض عليه سم الشاة التي أهدتها له اليهودية فأكل منها يومئذ فكان ذلك يثور عليه أحيانا فقال في مرض موته: "ما زالت أكلة خيبر تعاودني فيها أوان انقطاع أبهري" وكان ابن مسعود وغيره يقولون: إنه مات شهيدا من السم.

وقالت عائشة: ما رأيت أحدا كان أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عنده في مرضه سبعة دنانير فكان يأمرهم بالصدقة بها ثم يغمى عليه فيشتغلون بوجعه فدعا بها فوضعها في كفه يأمرهم بالصدقة بها ثم يغمى عليه فيشتغلون بوجعه فدعا بها فوضعها في كفه وقال: "ما ظن محمد بربه لو لقي الله وعنده هذه" ثم تصدق بها كلها فكيف يكون حال من لقي الله وعنده دماء المسلمين وأموالهم المحرمة وما ظنه بربه.

ولم يكن عندهم في مرضه دهن للمصباح يوقد فيه فلما اشتد وجعه ليلة الإثنين أرسلت عائشة بالمصباح إلى امرأة من النساء فقالت قطري لنا في مصباحنا من عكة السمن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في جديد الموت وكان عند عائشة إزار غليظ مما صنع باليمن وكساء من الملبدة فكانت تقسم بالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض فيهما.

ودخلت عليه فاطمة عليها السلام في مرضه فسارها رسول الله بشيء فبكت ثم سارها فضحكت فسئلت عن ذلك؟ فقالت: لا أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما توفي سئلت؟ فقالت: أخبرني أنه يموت في مرضه فبكيت ثم أخبرني أني أول أهله لحوقا به وأني سيدة نساء العالمين فضحكت فلما احتضر صلى الله عليه وسلم اشتد به الأمر فقالت عائشة: ما أغبط أحدا يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015