أيا لله واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة وا أسفاه على تفريطي في طاعتك يا سيداه وا أسفاه على تضييع عمري في دار الدنيا ثم استقبل القبلة وعاهد الله على توبة نصوح ودعا الله أن يتقبل منه وبكى حتى غشي عله فحمل من المجلس صريعا فمكث صالح وأصحابه يعودونه أياما ثم مات فحضره خلق كثير فكان صالح يذكره في مجلسه كثيرا ويقول: وبأبي قتيل القرآن وبأبي قتيل الواعظ والأحزان فرآه رجل في منامه فقال: ما صنعت؟ قال: عمتني بركة مجلس صالح فدخلت في سعة رحمة الله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [لأعراف: 156] من آلمته سياط المواعظ فصاح فلا جناح ومن زاد ألمه فمات فدمه مباح.

قضى الله في القتلى قصاص دمائهم ... ولكن دماء العاشقين جبار

وبقى ههنا قسم آخر وهو أشرف الأقسام وأرفعها: وهو من يفني عمره في الطاعة ثم ينبه على قرب الأجل ليجد في التزود ويتهيأ للرحيل بعمل يصلح للقاء يكون خاتمه للعمل قال ابن عباس: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة قالت أم سلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: سبحان الله ويحمده فذكرت ذلك له فقال: "إني أمرت بذلك" وتلا هذه السورة.

كان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعتكف في كل عام في رمضان عشرا ويعرض القرآن على جبريل مرة فاعتكف في ذلك العام عشرين يوما وعرض القرآن مرتين وكان يقول: ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي ثم حج حجة الوداع وقال للناس: "خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا" وطفق يودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع ثم رجع إلى المدينة فخطب قبل وصوله إليها وقال: "أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ثم أمر بالتمسك بكتاب الله" ثم توفي بعد وصوله إلى المدينة بيسير صلى الله عليه وسلم إذا كان سيد المحسنين يؤمر أن يختم عمره بالزيادة في الإحسان فكيف يكون حال المسيء.

خذ في جد فقد تولى العمر ... كم ذا التفريط قد تدانى الأمر

أقبل فعسى يقبل منك العذر ... كم تبني كم تنقض كم ذا العذر

مرض بعض العابدين فوصف له دواء يشربه فأتي في منامه فقيل له: أتشرب الدواء والحور العين لك تهيأ؟ فانتبه فزعا فصلى في ثلاثة أيام حتى انحنى صلبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015