ثم مات في اليوم الثالث كان رجل قد اعتزل وتعبد فرأى في منامه قائلا يقول له: يا فلان ربك يدعوك فتجهز واخرج إلى الحج ولست عائدا فخرج إلى الحج فمات في الطريق رأى بعض الصالحين في منامه قائلا ينشده:
تأهب للذي لا بد منه ... من الموت الموكل بالعباد
أترضى أن تكون رفيق قوم ... لهم زاد وأنت بغير زاد
خرج ابن ماجه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال في خطبته: "أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا" وفي سنده ضعف فأمر بالمبادرة قبل الموت وكل ساعة تمر على ابن آدم فإنه يمكن أن تكون ساعة موته بل كل نفس كما قيل:
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... وإن تمنعت بالحجاب والحرس
قال لقمان لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة وقال بعض الحكماء: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويؤخر التوبة لطول الأمل.
إلى الله تب قبل انقضاء من العمر ... أخي ولا تأمن مفاجأة الأمر
ولا تستصمن عن دعائي فإنما ... دعوتك إشفاقا عليك من الوزر
فقد حذرتك الحادثات نزولها ... ونادتك إلا أن سمعك ذو وقر
تنوح وتبكي للأحبة إن مضوا ... ونفسك لا تبكي وأنت على الأثر
قال بعض السلف: أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين يشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يصبح ويمسي إلا على توبة فإنه لا يدري متى يفاجئه الموت صباحا أو مساء فمن أصبح أو أمسى على غير توبة فهو على خطر لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب فيحشر في زمرة الظالمين قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11] تأخير التوبة في حال الشباب قبيح وفي حال المشيب أقبح وأقبح.
نعى لك ظل الشباب مزهج ... ونادتك باسم سواك الخطوب
فكن مستعدا لداعي الفنا ... فكل الذي هو آت قريب
ألسنا نرى شهوات النفو ... س تفنى وتبقى علينا الذنوب
يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف يكن حال من لا يتوب