قال: ففزع لذلك وفزع أصحابه فزعا شديدا وراعهم ما سمعوا من ذلك فقال لأصحابه: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم قال: فهل تجدون ما أجد؟ قالوا: وما تجد؟ قال: أجد والله مسكة على قلبي ما أراها إلا علة الموت قالوا: كلا بل البقاء والعافية قال: فبكى وقال: أنتم أخلائي وإخواني فما لي عندكم قالوا: مرنا بما أحببت قال: فأمر بالشراب فأهريق وبالملاهي فأخرجت ثم قال: اللهم إني أشهدك ومن حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت أيام مهلتي وإياك أسأل إن أقلتني أن تتم علي نعمتك بالإنابة إلى طاعتك وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلا منك علي واشتد به الأمر فلم يزل يقول: الموت والله الموت والله حتى خرجت روحه وكان الفقهاء يرون أنه مات على توبته.

وروى الواحدي في كتاب قتلى القرآن: بإسناد له: أن رجلا من أشراف أهل البصرة كان منحدرا إليها في سفينة ومعه جارية له فشرب يوما وغنته جاريته بعود لها وكان معهم في السفينة فقير صالح فقال له يا فتى تحسن مثل هذا؟ قال أحسن ما هو أحسن منه وكان الفقير حسن الصوت فاستفتح وقرأ: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً، أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 77, 78] فرمى الرجل ما بيده من الشراب في الماء وقال: أشهد أن هذا أحسن مما سمعت فهل غير هذا؟ قال: نعم فتلا عليه: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] الآية فوقعت في قلبه موقعا ورمى بالشراب في الماء وكسر العود ثم قال: يا فتى هل ههنا فرج؟ قال: نعم {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] الآية فصاح صيحة عظيمة فنظروا إليه فإذا هو قد مات رحمه الله.

وروى ابن أبي الدنيا بإسناد له أن صالحا المري رحمه الله كان يوما في مجلسه يقص على الناس فقرأ عنده قارىء: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] فذكر صالح: النار وحال العصاة فيها وصفة سياقهم إليها وبالغ في ذلك وبكى الناس فقام فتى كان حاضرا في مجلسه وكان مسرفا على نفسه فقال: أكل هذا في القيامة؟ فقال صالح: نعم وما هو أكبر منه لقد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم فلا يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من المريض المدنف فصاح الفتى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015