الناس، وخرج أمر أمير المؤمنين بالشد عليه في المطالبة، وتوعده من ضرب السياط بما يتلف نفسه-: ما أطار عقله، وأذهل لبه، وأدهشه عن الاضطراب في الخلاص «1» ، والاحتيال فيما عليه، مع قدرته على ذلك. فإن رآى أمير المؤمنين أن يشفعني فيه ببعض ما عليه، فهي صنيعة يجددها عندي ويحرس بها قديم إحسانه، ويضاعف وجوب الشكر بها، والاعتداد بسبوغ النعمة فيها «2» . ولم يزل يتلطف إلى حطه النصف مما عليه، وأقتصر منه على عشرين ألف دينار. فقال غسان: على أن يجدد أمير المؤمنين عليه الضمان، ويشرفه بخلع تقوي «3» نفسه، وترهف عزمه، ويعرف بها مكان الرضى عنه. فأجابه المأمون إلى ذلك. فقال: فيأذن لي أمير المؤمنين في حمل الدواة إلى حضرته، ليوقع بما رآه من هذا الإنعام، فيبقى شرف حملها علي وعلى عقبي من بعدي؟ فقال: افعل. فحمل الدواة إلى بين يديه، فوقع له المأمون بما التمس، وخرج علي بن عيسى بالخلع والتوقيع بيده. فلما حصل في داره حمل من المال عشرين ألف دينار، وأعاد ما بقي على غسان، وشكره على جميله. فقال غسان، لكاتب علي بن عيسى: كأنني شفعت إلى أمير المؤمنين ليعيد إلي المال؟! لم أستحطه «4» ذلك إلا ليتوفر عليه وينتفع به، وليس يعود إلى منزلي منه شيءٌ أبداً. وأعاد المال عليه. فكان ذلك سبب صلاح ما بينهما، وعرف علي بن عيسى قدر ما فعله معه غسان، ولم يزل يحدث به إلى آخر عمره.