القلوب» أمراً شهدته بمصر في سنة سبع وأربعين وخمس مائة، وهو: أن رسول ملك الحبشة وكتابه وصل إلى الملك العادل «أبي الحسن علي بن السلار «1» » رضي الله عنه، فسأله أن يأمر البطرك بمصر أن يعزل بطرك الحبشة- وتلك البلاد كلها مردودة إلى نظر بطرك مصر- فأمر الملك العادل بإحضار البطرك، فحضر وأنا عنده، فرأيت شيخاً نحيفاً مصفرَّاً، فأدناه حتى وقف عند باب المجلس، فسلم، ثم انحرف فجلس على دكلٍ «2» في الدار، ونفَّذ إليه يقول له: ملك الحبشة قد شكا من البطرك الذي يتولى بلاده، وسألني في التقدم إليك بعزلة. فقال: يا مولاي، ما وليته حتى اختبرته، ورأيته يصلح للناموس الذي هو فيه، وما ظهر لي من أمره ما يوجب عزله، ولا يسعني في ديني أن أعمل فيه بغير الواجب، ولا يجوز لي أن أعزله. فاغتاظ الملك العادل- رحمه الله- من قوله، وأمر باعتقاله، فاعتقل يومين. ثم أنفذ إليه- وأنا حاضر- يقول له: لا بد من عزل هذا البطرك لأجل سؤال ملك الحبشة في ذلك. فقال: يا مولاي، ما عندي جوابٌ غير ما قلته لك، وحكمك وقدرتك إنما هي على الجسم الضعيف الذي بين يديك، وأما ديني فما لك عليه سبيل، والله ما أعزله ولو نالني كل مكروه. فأمر الملك العادل- رحمه الله- بإطلاقه، واعتذر إلى ملك الحبشة.
رجع القول إلى السياسة.