قال الحكيم: اعلم أن الملوك ثلاثة: ملك دين، وملك حزم، وملك هوى. فأما ملك الدين فإنه إذا أقام لأهله دينهم، كان «1» دينهم هو الذي يعطيهم الذي لهم، ويلحق بهم الذي عليهم-: أرضاهم ذلك، وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليم. وأما ملك الحزم فإنه يقوم به الأمر، ولا يسلم من الطعن والسخط، ولن يضر طعن مع حزم القوي. وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار الدهر.
وقال الحكيم: أمرُّ «2» ما يحتاج إليه المَلِك من أمر الدين والدنيا رأيان: رأي يقوي سلطانه، ورأي يزينه في الناس. ورأي القوة أحقهما في التبدية، وأولاهما بالأثرة، ورأي التزيين أحضرهما حلاوة «3» ، وأكثرهما أعواناً، مع أن القوة من الزينة، والزينة من القوة، ولكن الأمر ينسب إلى معظمه.
وقال الشاعر:
ركوبك الهول ما أيقنتَ فرصتهُ ... جهلٌ، ورأيكَ بالإقحامِ تغريرُ
فاعمل صواباً تجدْ بالحزمِ مأثرةً ... فلن يُذمَّ لأهلِ الحزمِ تدبيرُ
فإن ظفرتَ مصيباً أو هلكتَ بهِ ... فأنت عند ذوي الألباب معدورُ
وإن ظفرتَ على جهلٍ فعشت به ... قالوا: جهول أعانته المقادير!