باصطناع السُّفَّل «1» . القليل مع التدبير، أبقى من الكثير مع التبذير، عزيمة الصبر، تطفىء نار الشر، فإن الصبر على ما تكرهه وتجتويه، يؤديك إلى ما تحبه وتشتهيه. من وثِق بإحسانك، أشفق على سلطانك.
إذا استشرت الجاهل، اختارَ لك الباطل. ومن اغتر بحاله، قصّر في احتياله.
ومن اغترّ بمسللة الزمن، عثر بمصادمة المحن. ومن اقتحم الأمور، لذي المحذور. ومن ترك ما يعنيه، امتُحِن بما لا يعنيه «2» . ومن استعان بذوي العقول، فاز بدرك المأمول. ومن استشار ذوي الألباب، سلك سبيل الصواب.
ومن ضيَّع أمره ضيَّع كل أمر، ومن جهل قدره جهل كل قدر. والحازم من حفظ ما في يده، ولم يؤخر شغل يومه إلى غده. ومن طلب ما لا يكون طال به تعبه، ومن فعل ما لا يجوز كان فيه عطبه. لا تثق بالصديق قبل الخبرة، ولا توقع بالعدو قبل القدرة. وإذا أشكلت عليك الأمور، وتغير عليك الجمهور-:
فارجع إلى رأي العقلاء، وافزع إلى استشارة النصحاء، ولا تأنف من الاسترشاد، ولا تستنكف من الاستمداد، فلأن «3» تسأل وتسلم، خيرٌ من أن تستبد وتندم. ومن نصحك فلا تستبدل به، ومن وعظك فلا تستوحش منه، فمن نصحك أحسن إليك، ومن وعظك أشفق عليك.
واعلم أن الأيدي بأصابعها، والملوك بصنائعها، فلا يغرّك كبر الجسم، ممن صغر في المعرفة والعلم، ولا طول القامة، ممن قصَّر في الكفاية والاستقامة، فأن الدرة على صغرها-: أعود من الصّخرة على كبرها.