واعلم أن سبب هلاك الملوك والممالك اطراح ذوي الفضائل، واصطناع ذوي الوسائل، والاستخفاف بعظة الناصح، والاغترار بتزكية المادح.
واعلم أن عمال الولاة بمنزلة سلاحهم في القتال، وسهامهم في النضال.
ومن ولي الملك بلا كفاة، كمن لقي الحرب بلا حماة. ومما يديم لك نصحهم ووفاءهم، ويحفظ عليك ودهم وولاءهم-: قلة الطمع فيهم، وحسن المقابلة لمساعيهم.
واعلم أنك إن طمعت منهم في ذرة، طمعوا منك في بُدْرة، وإن ارتجعت من رفقهم «1» ديناراً، اقتطعوا من ملكك قنطاراً، ثم أساءوا القول فيك، وأنكروا بِيض صنائعك وأياديك. وإذا اصطنعت فاصطنع من ينزع إلى أصل وأبوة، ويرجع الى عقل ومروّة، فإن الأصل والأبوَّة تمنعانه من الغدر والخيانة، والعقل والمروّة يبعثانه على الوفاء والأمانة، فإن كل فرع يرجع إلى أصله، وكل شيء يعود إلى طبعه.
وقالت الحكماء: الملك كالبحر الأعظم: تستمد منه الأنهار الصغار، فإن كان عذباً عذُبت، وإن كان ملحاً ملُحت.
وقالوا: مهما كان في الملك فإنه لا ينبغي أن يكون فيه خمس خصال:
لا ينبغي أن يكون كذاباً، فإنه إذا كان كذاباً فوعد خيراً لم يرجَ، أو توعد بِشرٍّ لم يُخَفْ. ولا ينبغي أن يكون بخيلاً، فإنه إذا كان بخيلاً لم يناصحه أحد، ولا تصلح الولاية إلا بالمناصحة. ولا ينبغي أن يكون حديداً، فإنه إن كان حديداً- مع المقدرة «2» - هلكت الرعية. ولا ينبغي أن يكون حسوداً، فإنه