التَّعمُّق والتَّشدُّق، والتَّفيْهُق والتَّكلُّف والتَّنطُّع؛ لأنهُ صاحبُ رسالةٍ، وحاملُ مبدأ، وقدوةُ أُمَّةٍ، وأُسوةُ أجيالٍ، ومعلِّمُ شعوبٍ، وربُّ أسرةٍ، ورجُلُ مجتمعٍ، وكنْز مُثُلٍ، ومَجْمَعُ فضائل، وبحرُ عطايا، ومشرِقُ نورٍ.
إنه باختصارٍ: ميسرٌ لليُسرى،، وإنه بإيجازٍ {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} أو بعبارةٍ أخرى: {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وكفى!! {شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً {45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} .
إنَّ مما يُعارضُ الرسالة الميسَّرة السهلة: تنطُّعُ الخوارجِ، وتزندُقُ أهلِ المنطقِ عبيدِ الدنيا، وانحرافُ مرتزقةِ الأفكار {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} .
يقولُ أحدُ أذكياءِ الإنكليزِ: بإمكانك وأنت في السجنِ منْ وراءِ القضبانِ الحديديةِ أنْ تنظُرَ إلى الأُفُقِ، وأنْ تُخْرِج زهرةً منْ جيبِك فتشُمَّها وتبتسم، وأنت مكانك، وبإمكانِك وأنت في القصْرِ على الديباج والحريرِ، أنْ تحتدَّ وأنْ تغضب وأنْ تثور ساخطاً منْ بيتِك وأسرتِك وأموالِك.
إذنْ السعادةُ ليستْ في الزمانِ ولا في المكانِ، ولكنَّها في الإيمانِ، وفي طاعةِ الدَيَّانِ، وفي القلبِ. والقلبُ محلُّ نظرِ الرَّبَّ، فإذا استقرَّ اليقينُ فيه، انبعثتِ السعادةُ، فأضفتْ على الروح وعلى النفسِ انشراحاً وارتياحاً، ثمَّ فاضتْ على الآخرين، فصارتْ على الظِّرابِ وبطونِ الأودية ومنابتِ الشجرِ.