إنَّ هذا الرجل المسكين الذي أقدم على الانتحارِ لم يهتدِ بالهدايةِ الرَّبّانيَّةِ المتمثَّلةِ في قولِهِ سبحانه: {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} وقولِه سبحانه: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} ، وقوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} ، لأنَّ الرجل فَقَدَ مفتاح الهدايةِ، وطريق السَّدادِ وسبيل الرَّشادِ: {مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ} .
إنَّ منْ وصايا الآخرين لكلِّ مُثْقلٍ بالهمِّ والحزنِ، أنْ يأمروه بالجلوسِ على ضفافِ النهرِ، ويستمتع بالموسيقى، ويلعب النَّرْد، ويتزلَّج على الثْلجِ.
لكنْ وصايا أهل الإسلامِ، وأهلَ العبوديَّةِ الحقَّةِ: جلسةٌ بين الأذانِ والإقامِة في روضةٍ منْ رياضِ الجنَّةِ، وهتافٌ بذِكرِ الواحد الأحدِ، وتسليمٌ بالقضاءِ والقدرِ، ورضاً بما قسم اللهُ، وتؤكُّلٌ على اللهِ جلَّ وعلا.
نَزَلَ هذا الكلامُ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فتحقَّقتْ فيه هذهِ الكلمةُ، فكان سهل الخاطرِ، منشرح الصدرِ، متفائلاً، جيَّاشَ الفؤادِ، حيَّ العاطفةِ، ميسَّراً في أمورِهِ، قريباً من القلوبِ، بسيطاً في عظمةٍ، دانياً من الناسِ في هيبةٍ، متبسماً في وقارٍ، متحبباُ في سموٍّ، مألوفاً للحاضر والبادي، جمَّ الخُلُقِ، طلْقَ المُحيَّا، مشرق الطلْعةِ، غزير الحياءِ، يهشُّ للدُّعابةِ، ويَبَشُّ للقادِم، مسروراً بعطاءِ اللهِ، جذِلاُ بالهِباتِ الرَّبانيَّةِ، لا يعتريه اليأسُ، ولا يعرفُ الإحباط، ولا يخلدُ إلى التَّخْذِيلِ، ولا يعترفُ بالقنوطِ، ويُعجبُه الفألُ الحسنُ، ويكرهُ