وعمرُ رضي اللهُ عنه وأرضاهُ منْ سماعِه لآيةٍ، ويبقى مريضاً شهراً كاملاً يُعادُ، كما يُعادُ المريضُ، كما ذكر ذلك ابنُ كثيرٍ. {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} .
وعبدُاللهِ بنُ وهبٍ، مرَّ يوم الجمعةِ فسمع غلاماً يقرأُ: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ ... } فأُغمي عليه، ونُقل إلى بيتهِ، وبقي ثلاثة أيامٍ مريضاً، ومات في اليوم الرابعِ. ذَكَرَه الذهبيُّ.
وأخبرني عالمٌ أنه صلَّى في المدينةِ، فقرأ القارئُ بسورةِ الواقعةِ، قال: فأصابني من الذهولِ ومن الوجلِ ما جعلني اهتزُّ مكاني، وأتحرَّكُ بغيرِ إرادةٍ مني، مع بكاءٍ، ودمعِ غزيرٍ. {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} .
ولكنْ ما علاقةُ هذا الحديثِ بموضوعِنا عنِ السعادةِ؟!
إنَّ التشويش الذي يعيشُه الإنسانُ في الأربعِ والعشرين ساعةً كفيلٌ أنْ يُفقِده وعيهُ، وأن يُقلقه، وأن يُصيبه بالإحباطِ، فإذا رَجَعَ وأنصت وسَمَعَ وتدبَّر كلام المولى، بصوتٍ حسنٍ منْ قارئٍ خاشعٍ، ثاب إليه رُشدُه، وعادتْ إليه نفسهُ، وقرَّتْ بلابلهُ، وسكنتْ لواعِجُه. إنني أُحذَّرك بهذا الكلامِ عنْ قومٍ جعلُوا الموسيقى أسباب أُنسِهمْ وسعادتِهمْ وارتياحِهم، وكتبُوا في ذلك كُتُباً، وتبجَّح كثيرٌ منهمْ بأنَّ أجمل الأوقات وأفضل الساعات يوم يُنصت إلى الموسيقى، بلْ إنَّ الكُتَّاب الغربيين الذين كتبُوا عن السعادةِ وطردِ القلقِ يجعلون منْ عواملِ السعادةِ الموسيقى. {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} ، {سَامِراً تَهْجُرُونَ} .