عند ابن أبي حاتم يمرُّ - صلى الله عليه وسلم - بعجوزٍ، فيُنصت إليها منْ وراءِ بابها، وهي تقرأُ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، تعيدُها وتكرِّرُها، فيقولُ: ((نعم أتاني، نعم أتاني)) .
إنَّ للاستماعِ حلاوةً، وللإنصاتِ طلاوةً.
أحدُ الكُتاّبِ اللامعين المسلمين سافر إلى أوربا، فأبحر في سفينةٍ، وركبتُ معه امرأةٌ منْ يوغسلافيا، شيوعيَّةٌ فرَّتْ منْ ظُلمٍ ومنْ قهرِ تيتو، فأدركتْه صلاةُ الجمعةِ مع زملائِه، فقام فخطبهم، ثم صلَّى بهمْ وقرأ سورة الأعلى والغاشية، وكانتِ المرأةُ لا تجيدُ العربية، كانتْ تُنصتُ إلى الكلام وإلى الجرْسِ وإلى النَّغمةِ، وبعد الصلاةِ سألتْ هذا الكاتب عن هذهِ الآياتِ؟ فأخبرها أنها من كلامِ اللهِ عزَّ وجَّل، فبقيتْ مدهوشةً مذهولةً، قال: ولم تمكنّي لغتي لأدعُوها إلى الإسلامِ: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} .
إنَّ للقرآنِ سلطاناً على القلوبِ، وهيبةٌ على الأرواحِ، وقوةً مؤثَّرةً فاعلةً على النفوسِ.
عجبتُ لأناسٍ من السلفِ الأخبارِ، ومن المتقدِّمين الأبرار، انهدُّوا أمام تأثيرِ القرآن، وأمام إيقاعاتِه الهائلةِ الصادقةِ النافذةِ: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} .
فذاك عليُّ بنُ الفُضيل بن عياضٍ يموتُ لمَّا سمع أباه يقرأُ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {24} مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} .