مددت يديْك نحوهمُو اختفاءً ... كمدِّهما إليهمْ بالهِباتِ
ولما ضاق بطنُ الأرضِ عنْ أنْ ... يُواروا فيه تلك المكْرُماتِ
أصاروا الجوَّ قبرك واستعاضوا ... عليك اليوم صوت النّائِحاتِ
وما لك تُربةٌ فأقولُ تُسقى ... لأنَّك نُصْب هطْلِ الهاطِلاتِ
عليك تحيَّة الرحمنِ تتْرى ... بتبريكِ الفؤادِ الرّائِحاتِ
لِعظْمِك في النُّفُوسِ تباتُ تُرعى ... بحُراسٍ وحُفَّاظٍ ثقاتِ
وتُوقدُ حولك النيرانُ ليلاً ... كذلك كُنت أيام الحياةِ
ما أجمل العباراتِ، وما أجمل الأبياتِ، وما أنْبَلَ هذهِ المُثُل، وما أضخم هذهِ المعاني. الله ما أجْملها من أوسمةٍ، وما أحسنها من تِيجان!!
لمَّا سمع هذه الأبيات عضدُ الدولة الذي قتلهُ، دمعتْ عيناه وقال: وددتُ واللهِ أنني قُتلتُ وصُلِبْتَ، وقيِلتْ فيَّ.
ويُقتلُ محمدُ بنُ حميدٍ الطوسيُّ في سبيلِ اللهِ، فيقولُ أبو تمام يرثيه:
كذا فليجلَّ الخطبُ وليَفْدحِ الأمرُ ... فليْس لِعَيْنٍ لم يفِضْ ماؤها عُذْرُ
تُوفِّيتِ الآمالُ بعد محمَّدٍ ... وأصبح في شُغلٍ عن السَّفرِ السَّفرُ
تردَّ ثياب الموت حُمْراً فما دَجَى ... لها الليلُ إلا وهي منْ سُنْدُسٍ خُضْرُ
إلى آخرِ ما قال في تلك القصيدةِ الماتِعةِ، فسمِعها المعتصمُ، وقال: ما مات من قِيلتْ فيه هذهِ الأبياتُ.