تلك كلها أسباب وراء الشتات الذي يصيب النفس البشرية في الجاهلية، والإيمان هو الذي يجمع النفس من الشتات.
الإيمان معناه ابتداءً: الاعتقاد بأنه إله واحد لا إله غيره. وأن كل الآلهة الأخرى وكل الأرباب، وكل المعبودات من دون الله، وهم لا حقيقة له، ولا وجود له إلا في ظنون أصحابه، وهي ظنون لا تغني من الحق شيئاً. ومعناه أنه لا معبود بحق إلا الله، لأنه لا إله في الحقيقة غيره، فكل عبادة موجهة إلى غيره فهي باطلة من أساسها، لأنها موجهة لمن لا ألوهية له في الحقيقة. ومعناه الالتزام بما جاء من عند الله، لأنه لا يستقيم في الحس أن يكون هو المعبود الحقيق بالعبادة وحده، ثم يطاع غيره في معصيته! ومعناه في نهاية الأمر أن الله هو المشرع، هو الذي يحدد الحلال والحرام، والحسن والقبيح، والمباح وغير المباح، وهو الذي يضع الحدود التي يمارس الناس فيها متاع الحياة الدنيا، وهو الذي يضع للناس منهج الحياة، ويحدد لهم ما يعيشون له من أهداف.
ومن شأن هذا الإيمان ألا يبقى سبباً من أسباب الشتات التي يتطرق بها إلى النفوس.
حين يتوحد الإله المعبود تنتهي من الحس تماماً كل الآلهة المزعومة، التي تشتت النفس في اتباعها، ولكل منها مطالب، ولكل منها نزعات أو شطحات لا تلتقي في اتجاه واحد، فتتوزع النفس بينها، وكل إله منها لا يمارس ألوهيته إلا على حساب إله آخر: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 29) .
وحين يتوحد الإله المعبود تنضبط الشهوات في حدودها التي حددها الله، فتصبح غذاءً صالحاً للنفس، ولا تعود سماً مهلكاً، ولا هماً مقعداً مقيماً، لا يرتوي ولا يشبع، ولا يدع للنفس فرصة للسكينة والهدوء.
وحين يتوحد الإله المعبود يتحدد الهدف الذي ينظم في داخله كل الأهداف، وتتحدد القيم التي تحقق الأهداف. وتذهب عن الحياة عبثيتها، حين يؤمن الإنسان بالبعث والنشور، والحساب والجزاء.
* * *