إذا كان هذا دور المبادئ في نشأة القاعدة الصلبة، فلنقل كلمة سريعة عن دور المربي صلى الله عليه وسلم، أعظم مرب في التاريخ، ولن نوفيه حقه صلى الله عليه وسلم في هذه الكلمة ولا في كلمات. وحسبه ما شهد له به ربه المنعم الوهاب: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4) ، ولكنا لا نستطيع أن تعرف على تلك القاعدة، دون أن نلم ولو إلمامة سريعة بالأثر الضخم الذي أحدثه وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بشخصه الكريم العظيم بين ظهرانيهم.

إن الأتباع يقتبسون دائماً شيئاً من صفات قائدهم، من خلال حبهم له ومصاحبتهم إياه، وقد يكون هذا بغير وعي كامل منهم، فإن الإعجاب بشخصية القائد يدفع الأتباع تلقائياً إلى محاولة التشبه به في بعض أعماله، وبعض أقواله، وبعض مواقفه، وبعض تصرفاته، وقد كان هذا حادثاً بالفعل من الصحابة رضوان الله عليهم، تجاه نبيهم الذي يحبونه فوق كل حب، ويوقرونه فوق كل توقير عرفه أتباع تجاه قائدهم في التاريخ كله.

سأل هرقل أبا سفيان، ولم يكن قد أسلم بعد، عن حال المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال، ما رأيت أحداً يحبه الناس كحب أصحاب محمد محمداً.

ولكن الأمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن مقتصراً على هذا الإعجاب الذي يؤثر في الأتباع بغير وعي كامل منهم، إنما كان تأثراً واعياً بأمر من الله الذي آمنوا به وأسلموا وجوههم له، وبأمر من الرسول ذاته صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21) . {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر: 7) . {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} (التوبة: 120) . {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24) .

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده» . (?) «صلوا كما رأيتموني أصلي» (?) . «خذوا عني مناسككم» (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015