فتفسد، وتعجز عن القيام بالنشاط السوي، وإن قامت بألوان من النشاط المنحرف، كما تختل الخلية السوية حين يصيبها السرطان. تنشط، ولكنه النشاط المؤدي إلى الدمار.

وهنا نقطة ((الابتلاء)) الذي يعرض للإنسان في حياته، والذي هو هدف من أهداف خلقه: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان: 2) . {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الكهف:7) .

فموضوع الابتلاء هو الطريقة التي يتناول بها الإنسان متاع الأرض. هل يقف فيه عند الحدود المأمونة التي قدرها الله - وهو اللطيف الخبير الذي يعلم من خلق، ويعلم ما يصلحه وما يصلح له - أم يسرف ويتجاوز الحدود، فينقلب المتاع سما مهلكاً يضر أكثر مما ينفع، أو يضر ولا ينفع؟ : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك: 14) . {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (البقرة: 219) . {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (البقرة: 187) .

ولقد كان إنسان الجاهلية العربية غارقاً في الشهوات، يعب منها بمقدار ما يتيح له وضعه الاجتماعي، ووضعه الاقتصادي، لا يرى في ذلك بأساً، بل يراها فخراً وكرامة! ويسوغها بمنطقه المعتل:

يقول طرفة بن العبد:

ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي

فمنهن سبقي العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد

وكري إذا نادى المضاف محنباً ... كسيد الغضا - نبهته - المتورد

وتقصير يوم الدجن، والدجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف المعمد

فيذكر الخمر والنساء والحرب، وذلك بعد أن قال قبلها:

ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015