فأما المبادئ فيكفي أن يكون منطلقها وأساسها الأول هو التوحيد، هو ((لا إله إلا الله)) ، والتوحيد هو الذي أنشأ هذه الأمة، وأخرجها إلى الوجود خير أمة أخرجت للناس: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110) . ولكن الخيرية الناشئة من التوحيد لا تتمثل في أحد ولا في شيء، كما تتمثل في تلك القاعدة التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عينه، في فترة التربية في مكة، ثم بعد ذلك في المدينة.
التوحيد - في حقيقته المنزلة من عند الله، والتي استوعبها قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربي عليها أصحابه - هو أعظم ما في هذا الوجود من حقيقة، وهو أعظم ما في حقيقة الوجود من مؤثر في بنية الكون وبناء النفوس:
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (آل عمران: 2) .
الكون عابد بفطرته، والإنسان عابد بفطرته، ولكن السماوات والأرض أتت إلى الله طائعة مستسلمة، وبقي الإنسان، بعضه يستسلم، وبعضه يستكبر وينأى بجانبه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت: 11) . {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} (الحج: 18) .
والأصل في فطرة الناس هو التوحيد: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم: 30) . {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} (الأعراف: 172) .
«كل مولود يولد على الفطرة» (?) .
«إني خلقت عبادي حنفاء كلهم» (?) .