دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (النور: 55) .

ولا شك أن الدعوة ستمضي في بطء شديد حين تكون على هذا الأساس، ولن تتجمع الجماهير بوفرة في الزمن القصير، ولكن عندئذ يكون قد بدأ التمكين الصحيح بموكب المنهج الرباني، وبموجب السنن الربانية، ويتحقق قدر الله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف:21) .

* * *

ثم زاد الغبش مرة أخرى من جانبين اثنين: حين دخلت بعض فصائل الحركة في صراعات دموية مع السلطة، وحين دخلت فصائل أخرى مجالس النواب!

لقد أدى انزعاج الصليبية الصهيونية من الحركة الإسلامية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مصاحبة، إلى تغير حاد في السياسة العالمية، ليس هنا مجال تفصيله، ولكن لا بد من إشارة سريعة إلى ما يخص العالم الإسلامي منه.

لقد خرجت بريطانيا وفرنسا منهكتين من الحرب الكبرى الثانية (1939 - 1945) ، بينما خرجت أمريكا بعافيتها كاملة لم يصبها من دمار الحرب شيء يذكر، وأغرى ذلك أمريكا أن تتزعم ما كان يسمى ((العالم الحر)) ، وأن تطرد النفوذ البريطاني والفرنسي من أماكن سيطرته، وتحل هي محله على يد زعامات عميلة لأمريكا، تضفي عليها البطولات الزائفة، وتصور في نظر الجماهير على أنها قاهرة الاستعمار، ومخلصة الشعوب من شروره. ولكن هذه اللعبة التي ربما بدت منطقية من نتائج الحرب، كان لها هدف آخر خفي، تواطأت فيه الصليبية مع الصهيونية، ورتبتاه معاً، وهو ضرب الحركات الإسلامية في المنطقة العربية بصفة خاصة، لتأمين إسرائيل، وإتاحة الفرصة لها لكي تستقر وتتمكن، وتتوسع في الأرض الإسلامية كما تشاء، بعد ما بدا واضحاً من أن الضربة الأولى التي قتل فيها الإمام الشهيد، وعذب فيها من عذب من الشباب، لم تكن قاضية، بل كانت كأنها زاد للحركة، زادها اشتعالاً وتوسعاً في الآفاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015