التاريخ، فقد عاش المسلمون سنوات من الشظف الحاد بعد توليهم السلطة، وتأسيسهم الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله، واستمر حتى أيام عمر رضي الله عنه، والناس صابرون على الشظف وعلى المشقات كلها، لأنهم مؤمنون، ولأنهم نذروا أنفسهم للدعوة، ولأنهم يرجون الآخرة، ولا ينظرون إلى شيء من متاع الحياة الدنيا، وهذا هو الذي حقق لهذه الدعوة أن ترسخ في الأرض وتتمكن، وتمتد في الآفاق.
ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أغرى الجماهير بأنهم - إذا تسلم الإسلام السلطة - سيحلون كل مشاكلهم الأرضية، ويرفلون في النعيم، ما صبروا على شظف العيش الذي تلا تأسيس الدولة الإسلامية، واستمر بعد ذلك سنوات، ولا كانت تلك الحركة الباهرة التي غيرت وجه الأرض. وحين نوهم الناس - الذين لم تتمحض قلوبهم للا إله إلا الله - بأنهم إذا تسلم المسلمون سيحلون كل مشاكلهم في التو واللحظة، ثم يستمر الإسلاميون في الحكم سنوات والمشاكل لا تحل، بل تزداد حدة نتيجة اشتداد الصليبية الصهيونية في الحرب، فهل سيصبر الناس، الذين لم يدخلوا من باب العبودية الخالصة لله، بل من باب المصالح الدنيوية؟ هل سيصبرون على الشظف والحرمان والجهاد المر، حتى يتحقق وعد الله في أوانه المقدر عنه الله، أم سينقلبون على الحكم الذي لم يحقق لهم ما جاءوا من أجله، وأدلوا من أجله بأصواتهم في صناديق الانتخاب؟!
إنما تكون الدعوة أولاً وقبل كل شيء، لبيان واجب العباد نحو خالقهم، واجب العبودية الخالصة لله، والالتزام بما جاء من عند الله، بصرف النظر عما يترتب على إخلاص العبادة لله، في الحياة الدنيا، من كسب أو خسارة بحساب الأرض، إنما هو الجزاء الأخروي، مع بيان أن الله وعد هذه الأمة بخاصة أن يحقق لها الاستخلاف والتمكين والتأمين في الحياة الدنيا، ولكن بشرط واضح: أن يعبدوه وحده بلا شريك، ويخلصوا له العبادة، لا بمجرد أن يذهبوا إلى صناديق الانتخاب، ويحصلوا على أغلبية الأصوات، ثم يتولوا السلطة: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ