ولا ننسى هنا أن التعجل في التحرك بالجماهير قبل أن تستكمل وعيها الإسلامي، إن لم نقل: قبل أن تكون عندها وعي إسلامي، قد أزعج الأحزاب والكيانات العلمانية على ((جماهيرها)) التي تتسرب من بين يديها وتنضم للحركة الإسلامية، فوقفت تستدرج الحركة الإسلامية عن طريقها الأصيل، في صورة تحد تواجهها به: أرونا أين برامجكم التي تنادون بها لتنزعوا بها الشرعية منا، وتزعموها لأنفسكم؟ ومن ثم اندفعت الحركة الإسلامية تبحث عن برامج ترد بها على التحدي، ليصرفها ذلك عن تحرير قضيتها الأولى، قضية لا إله إلا الله.

إن قضية لا إله إلا الله - في مرحلة التكوين بالذات- لا ترتبط في حس أصحابها الذين يتربون على المنهج الصحيح، أي ارتباط بالنتائج التي تترتب عليها في الحياة الدنيا، لا السلطان، ولا الاستقرار السياسي، ولا الوفرة الاقتصادية، ولا الهناءة الاجتماعية. فقد لا يترتب عليها شيء من ذلك كله في الحياة الدنيا؛ إنما قد يكون مصير أصحابها هو مصير سحرة فرعون الذين آمنوا، فكان نصيبهم القتل والصلب، أو مصير أصحاب الأخدود، الذين آمنوا فكان نصيبهم الحرق بالنار أحياء عن بكرة أبيهم. إنما كانوا مثلا لمن بعدهم، وكان نصيبهم الذي رضيت به أنفسهم هو رضوان الله، وجنات عدن تجري من تحتها الأنهار.

ولكن التعجل في تجميع الجماهير، والتعجل في التحرك بتلك الجماهير قبل أن تنضج، بل قبل أن تستكمل القاعدة ذاتها نضجها، هو الذي أدى إلى هذا الغبش المتزايد حول القضية الأساسية، وأصبح عماد الدعوة إلى الإسلام أن تطبيقه هو الذي سيحل جميع المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي يعاني منها الناس اليوم، وبالتالي البحث عن ((البرامج العملية)) التي تواجه التحدي الذي يقدمه العلمانيون!

وكون الإسلام هو الحل، حقيقة ربانية، الله سبحانه وتعالى هو المتكفل بها بنفسه، وهو الواعد بها، ووعده الحق: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (الأعراف:96) . أما أن هذا الحل سيتحقق بمجرد وصول الإسلاميين إلى الحكم، فأمر لا دليل له من كتاب الله، ولا من وقائع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015