الوحي الرباني هو الذي يتولى توجيهها خطوة بخطوة، لم تسلم من الأذى، الذي وصل إلى حد التعذيب والتشريد والتجويع والقتل. فليس السير على المنهج الصحيح مطلوباً من أجل حماية الأشخاص القائمين بالدعوة! إنما هو مطلوب من أجل الدعوة ذاتها، من أجل أن تؤتي ثمارها كاملة، وتؤدي رسالتها على الوجه الأكمل.

عوجلت الحركة معاجلة عنيفة، ولما تستكمل بناء قاعدتها على أساس متين. لقد خرجت فدائيين مخلصين مستعدين أن يموتوا في سبيل الله، ويحتملوا الأذى في شجاعة من أجل الدعوة إلى الله. وخرجت قوماً تربط بينهم أخوة في الله، تعدل بل تفوق عندهم رابطة الدم. وخرجت قوماً نظيفي التعامل، لأنهم يخافون الله. وخرجت قوماً فيهم إيجابية وجلد على بذل الجهد. وكلها صفات طيبة مطلوبة في القاعدة، ولكنها ليست كل شيء، ولا تكفي وحدها لبناء القاعدة المطلوبة. إنهم ليسوا مجرد أفراد يتطهرون لله، وينذرون أنفسهم لله.

إنهم دعوة. تريد أن تنقذ أمة بأسرها مما هي واقعة فيه من الهوان والخسف، بسبب بعدها عن طريق الله، وهذا أمر يتطلب الكثير والكثير.

وسنتكلم عن التربية المطلوبة في الفصل القادم، سواء منها ما كان مطلوباً للقاعدة الصلبة، أو للجماهير التي تتحرك بها الدعوة. ولكنا هنا ندرس أسباب التعجل، والآثار التي ترتبت عليه.

لقد استمرت الحركة في توجهها الجماهيري قبل استكمال بناء القاعدة، والتحرك بالجماهير قبل استكمال وعيها الإسلامي، والصدام مع السلطات في معارك غير متكافئة. وترتب على ذلك نتائج لا تخدم الدعوة في كثير. استمر الغبش حول قضية لا إله إلا الله، إن لم نقل: إنه زاد، بفعل ما اختلط بها من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، قبل أن تتأصل في قلوب الناس - الدعاة على الأقل - على أنها العبودية الخالصة لله أولاً، بصرف النظر عما يترتب عليها في الحياة الدنيا من نتائج سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. ثم تكون هذه القضايا كلها حين يجيء دورها نابعة من لا إله إلا الله، ومرتبطة بها لا منفصلة عنها، ولا موازية لها، ولا مقدمة عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015