الرجل المريض بعد القضاء عليه، بين بريطانيا وفرنسا صديقتي اليهود يومئذ (وحتى الآن بطبيعة الحال، مع تغير مركز الثقل من بريطانيا وزعيمة ((العالم الحر!)) يومئذ إلى أمريكا زعيمته الحالية) ، وجعلوا فلسطين - ميدان الصراع المقبل - تحت الانتداب البريطاني، للتمهيد لإقامة الدولة في ظل تصريح بلفور الذي قال: إن حكومة جلالة الملكة تنظر بعين العطف (!) إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

ولم يكتف التخطيط الماكر بهذا، بل قسم البلاد المحيطة بفلسطين إلى دويلات ضعيفة متعادية متنابذة، لا وزن لها في عالم الحرب ولا عالم السياسة ولا عالم الاقتصاد، فضلاً عن نزاعات الحدود بين بعضها البعض، وفضلاً عن نزعات الوطنية والقومية التي تفرق بين بعضها وبعض.

ولم يكتف الكيد الماكر بهذا، فالشباب في كل أمة طاقة خطرة إذا توجه توجهاً جاداً لأمر من الأمور الكبار، فينبغي صرفه بكل الوسائل عن الجد في أي أمر، وخاصة في الأمور التي يخشى من الجد فيها على مخططات الأعداء. لذلك سلطت على الشباب كل وسائل التمييع، الذي تجعله يهتم بسفاسف الأمور وينصرف عن معاليها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها» . (?) سلطت عليه السينما والإذاعة والمسرح، (ولم يكن التلفزيون قد ظهر بعد، ولا كان اليهود قد بثوا بعد ((جنون الكرة)) على مستوى العالم كله) ، وسلط عليه قضية ((تحرير المرأة)) ، لتشغل الأولاد والبنات بعضهم ببعض في علاقات ((بريئة!)) أولاً، تتحول إلى علاقات غير بريئة بعد ذلك. وسلط عليه تعصبات السياسة الحزبية تأكل وقته وجهده واهتماماته، ليخرج دون تحصيل ثقافي ذاتي، وتعصبات ((الفن)) ، ما بين هذه المغنية وتلك، وبين هذا المغني وذاك، وكلها تفاهات!

ثم في الموعد المحدد، بعد خمسين سنة بالضبط من مؤتمر هرتزل، الذي أعلن فيه ضرورة إنشاء الدولة خلال خمسين عاماً، أعلنت الدولة، وقامت الحروب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015