أما كون أصحاب الدعوة يعرفون عداوة الصليبية الصهيونية للإسلام، ويعرفون توجسها منه، ورغبتها في القضاء عليه، وكراهيتها لعودة الناس إليه، فأمر أوضح من أن يذكر؛ لأنه من بديهيات حس المسلم. فبحسب امرئ مسلم أن يقرأ في كتاب الله هذه الآيات:

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة:120) {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} (آل عمران: 120) . {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (المائدة: 82) . {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (البقرة: 109) .

بحسبه أن يقرأ ذلك في كتاب الله، ليعلم أن هذه العداوة قائمة وأنها لن تزول. أما إدراك مدى هذه العداوة ومقدار كيدها، وتفاصيل ذلك الكيد، وموقعه من اللحظة القائمة، فأمر آخر مختلف. والذي يظهر من مجرى الأحداث أن تقدير ذلك كله لم يكن دقيقا بالدرجة الكافية.

لقد كان التخطيط اليهودي - تعاونه الصليبية بكل إمكاناتها - قد رتب كل شيء يخطر على البال، تمهيداً لإقامة الدولة اليهودية. فمنذ رفض عبد الحميد العروض اليهودية المغرية مقابل السماح بإقامة وطن لليهود في فلسطين، من رشوة شخصية لجيبه الخاص مقدارها خمسة ملايين من الجنيهات الاسترلينية الذهبية (تمثل وقتها ثروة بالغة الضخامة) ، والوعد بالتدخل لدى روسيا وبريطانيا وفرنسا لكفها عن إثارة الأقليات، (وهي مشكلة الدولة السياسية) ، والوعد بقروض طويلة الأجل لإنعاش الاقتصاد العثماني المثقل بالديون، (وهي المشكلة الاقتصادية للدولة) . منذ رفض عبد الحميد هذه العروض المغرية، والملغومة في ذات الوقت، فقد رسم اليهود مخططهم على سياسة طويلة الأجل، مقدارها خمسون سنة كما قرر هرتزل في مؤتمره الصهيوني الذي أقامه في مدينة بال بسويسرا، عام 1897م.

عزلوا عبد الحميد، ورتبوا الحرب العالمية الأولى، لتجميع أوربا الصليبية لقتال الدولة العثمانية والقضاء عليها، وكانوا يسمونها ((الرجل المريض)) ، ثم قسموا تركة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015