المسرحية التي خاضتها الجيوش العربية، بطريقة أقرب إلى الهذر منها إلى الجد، كما قامت الخيانات، وصفقات الأسلحة الفاسدة، وتحركت الجيوش يمنة ويسرة لتقف في النهاية عند خط التقسيم المتفق عليه سلفاً بين جميع الأطراف!
وهنا، وفي أحرج لحظة بالنسبة لمخططات العدو، انفجرت القنبلة، وأحدثت دويها المريع.
دخل الفدائيون المسلمون ساحة المعركة، واكتشفت اليهود حقيقتهم، واكتشفتها معهم الصليبية العالمية.
كم كانت القنبلة خطيرة، وكم كان دويها مريعاً على مستوى العالم كله! كانت أخطر بكثير مما قدرها أصحابها.
حين اصطدم اليهود بالفدائيين الإسلاميين، عرفوا على الفور أنهم نوعية مختلفة عن تلك الجيوش التي جاءت لتلعب دورها في الحرب المسرحية. إنهم أصحاب عقيدة جاءوا بدافع من عقيدتهم، وجاءوا ليقاتلوا من أجل عقيدتهم، وليموتوا من أجلها، أسخياء بأرواحهم في سبيل الله. ذات العينة التي عرفوها من قبل في التاريخ.
وأزعجهم الأمر وأذهلهم، فما كانوا يتصورون قط أن هذه العينة من البشر يمكن أن تعود. ومن مصر خاصة التي عمل فيها الغزو الفكري من أيام الحملة الفرنسية، ليخرجها من دينها، بل يخرجها حتى من عروبتها، تحت شعار (مصر للمصريين) ، الذي يعني في أطوائه أنه لا مجال فيه للعروبة ولا للإسلام. وكان انزعاجهم حاداً، فوق التصور، فقد وصل الأمر بهم أن صيحة ((الله أكبر ولله الحمد)) كانت تفزعهم، فيتركون مواقعهم ومؤنهم وذخيرتهم، ويفرون طلباً للنجاة.
عندئذ وضح في حسهم تماماً أنه لا قيام لإسرائيل - فضلاً عن توسعها المرسوم في المستقبل - إذا بقيت الحركة الإسلامية حية. وأنه لا بد من القضاء على الحركة الإسلامية لتعيش إسرائيل، وتأمن وتستقر، وتتوسع كما تشاء. وصدرت أوامر الصليبية الصهيونية بحل جماعة الإخوان المسلمين، ثم قتل قائدها، وتوالي الأحداث.