أوروبا الصليبية عنصر جديد، هو اليهودية العالمية التي كانت تخطط لحسابها الخاص، ولكن في تعاون كامل مع الصليبية، من أجل إنشاء وطن يهودي في فلسطين.
وبعد رفض السلطان عبد الحميد مطالب اليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين، اتحدت تماماً مصالح اليهودية العالمية مع مصالح الصليبية العالمية، فصار التخطيط واحداً وإن كان كل فريق يسعى لتحقيق مصلحته الخاصة في نهاية المطاف. وكان التخطيط محكماً في كل اتجاه، وكان تنفيذه ميسراً بالنسبة للصليبية الصهيونية، بسبب فقدان الأمة لوعيها الإسلامي، وعزيمتها الإسلامية التي أوصاها الله بها في قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139) .
وكان أخطر الأسلحة التي استخدمها الأعداء في محاربة الإسلام- بعد أن استتب لهم الأمر عسكرياً وسياسياً- هو الغزو الفكري، الذي كان هدفه قتل روح المقاومة للغزو الصليبي الصهيوني، بالقضاء على مكمن العقيدة داخل القلوب، وتخريج أجيال تتقبل العبودية للغرب راضية بها، إن لم تكن مندفعة إليها مستعذبة إياها، ظانة- وهي تسعى حتفها بظلفها- أنها متجهة في طريق النجاة!
ولم يخف على الصليبية الصهيونية أن شعوب الأمة الإسلامية قد تستيقظ من غفوتها ذات يوم، وترفض التبعية المذلة للغرب، وتسعى إلى الاستقلال، فرتبت نفسها لهذا الأمر كذلك، ببذر اتجاهات وطنية وقومية، وإنشاء زعامات تتعلق بها الجماهير وتتحلق حولها، وهي مصنوعة على عين الاستعمار، كانت الثورة محدودة المطالب محدودة الأهداف، تطالب بالاستقلال العسكري- إن قويت عليه- أو العسكري والسياسي- ظاهراً على الأقل- دون أن تفكر في الاستقلال الفكري والثقافي والروحي، فتظل التبعية للغرب قائمة في واقع الأمر، من خلال الأنظمة الوطنية والقومية، و ((الثورات التحررية)) ، والجماهير في غفلتها تصفق وتطرب لما يعرض أمام ناظريها من المسرحيات.