يتعلق بتحكيم شريعة الله، وأن الأمر في حاجة إلى جهد لتوصيل الحقيقة إلى الجماهير. لقد اتضح ذلك فيما بعد (?) . ولكن بعد ما كانت الدعوة قد قطعت شوطاً في التوجه إلى ((الجماهير)) ، على أساس أنها صالحة- بالموعظة المؤثرة والشحن العاطفي- أن تكون جنوداً مخلصة للدعوة، أو في القليل خامات صالحة للتجنيد. وبعد ما كان هذا التوجه إلى الجماهير، وحشدها بهذه الصورة، والتحرك بها على الساحة السياسية، قد أثار ردود الفعل المتوقعة وغير المتوقعة عند الأعداء.
عندما تتحرك الجماهير تنزعج السلطات المحلية، وحينما تكون الحركة إسلامية تنزعج السلطات المحلية والسلطات العالمية في آن واحد. وقد يكون انزعاج السلطات العالمية أشد! ولكي ندرك هذا الأمر على حقيقته ينبغي أن نقرأ صفحات من التاريخ.
في القرنين الأخيرين، كان قد ظهر جلياً أن أحوال العالم الإسلامي في تدهور مستمر في جميع المجالات. فالدولة العثمانية التي كانت أوروبا تخشاها وترهبها، قد أخذ سلطانها يتضاءل ويتقلص، وبدأت روسيا القيصرية تعدو على أملاكها دون أن تستطيع الرد، أو استرداد ما تفقده من الولايات، وتمردت بلاد البلقان بتحريض الدول الأوروبية، وتمردت الأقليات في داخل العالم الإسلامي، وبدأت الدولة تترنح تحت وقع الأحداث. أما الأمة الإسلامية فلم تكن أحوالها أقل سوءاً، فالتخلف يحيط بها من كل جانب، والجهل والفقر، والانغلاق على النفس، والتبلد على الأحداث. عندئذ رأت أوروبا أن الفرصة قد سنحت أخيراً للقضاء على عدوها القديم، فاجتمعت وتآمرت، وخططت للاستيلاء على العالم الإسلامي كله، وإخضاعه للدول الأوروبية فيما سمي ((بالاستعمار)) ، ودخل مع