الدُّنْيَا} (القصص: 77) . {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15) . فأهمل مجموع الأمة طريق الدنيا، من علم وقوة وتمكن في الأرض وعمارة لها وتحسين لأحوالها، وانصرفوا إلى ما ظنوا أنه يقربهم إلى الله، من حلقات الذكر وهيمان الوجد، بينما انصرف مجموعة من شرار الناس إلى الدنيا بمغرياتها، من أموال وبنين وزينة وزخرف وترف وتسلط على الناس، ونسوا البعث والنشور، والحساب والجزاء، فعاثوا فساداً في الأرض، والأمة في قبوعها السلبي لا تتعرض لهم بسوء!

وهذه الأمراض كلها، التي أفرغت الدين من محتواه الحي، وأفرغت لا إله إلا الله من شحنتها الفاعلة، كانت تستلزم البدء بتصحيح مفهوم لا إله إلا الله، وتربية قاعدة صلبة راسخة البناء، قبل التوجه إلى تجميع الجماهير!

* * *

وإذا كانت بقايا التقاليد، التي كانت قائمة في المجتمع عند بدء الدعوة، قد خدعت الدعاة عن حقيقة المرض الذي أصاب الأمة في أساس عقيدتها، فإن حماسة الجماهير في تلقي الدعوة قد زادتهم انخداعاً عن حقيقة الواقع.

تلقت الجماهير الدعوة بحماسة ملحوظة، وتجمع حول الإمام الشهيد في سنوات معدودة، ما يقدر بنصف مليون من البشر فيهم الكثير من الشباب، وتلك نسبة عالية إذا قدرنا أن تعداد الشعب المصري كله في ذلك الوقت كان أقل من عشرين مليوناً، وإذا استبعدنا من تعداد النساء والأطفال والشيوخ، الذين لا يفكرون في الانشغال بأي أمر من الأمور العامة، أو يرحبون بأي جديد يظهر في الساحة!

ولا شك أن الفيض الروحي الذي كان يتمتع به الإمام الشهيد، وقدرته الفائقة على التأثير في مشاعر الناس، كان لها أثر في تلك الحماسة الفياضة التي قوبلت بها الدعوة من جمهور كبير من الناس، وما كان يمكن لشخص لا يملك تلك الموهبة، أن يجمع هذا الحشد الهائل من البشر، في مثل هذا الوقت القصير.

ولكن فلننظر من جانب آخر في تلك الجماهير، لأي شيء تجمعت على وجه التحديد؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015