الواقع. ولا بد أن تكون هناك أمراض أصابت القلب فمرض الجسد كله: «ألا إن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (?) . ولو انكشفت تلك الأمراض لأصحاب الدعوة من أول الطريق، لعملوا على علاجها أولاً قبل الانطلاق. لو اتضح لهم أن كل ألوان التخلف التي وقع فيها المسلمون، من تخلف علمي ومادي وسياسي وحربي وحضاري وثقافي، نشأت كلها من التخلف العقدي الذي أصابهم في الفترة الأخيرة بصفة خاصة، لوضعوا منهجاً للدعوة غير الذي ساروا عليه بالفعل، ولكانت لهم رؤية مختلفة في طريق
العلاج.
ولا شك أن حقيقة بعد الأمة عن الصورة الصحيحة للإسلام، كانت واضحة وضوحاً كاملاً للدعاة؛ لأنها كانت أظهر من أن تخفى على أحد. ولكن مدى هذا البعد ونوعيته، هما اللذان كانا خافيين تحت قشرة التقاليد الخادعة، التي تخيل للرائي أن البناء تحتها ما يزال سليماً، أو أنه لا يحتاج إلا إلى ترميمات قليلة هنا وهناك!
كان ينبغي للدعوة أن تكشف عن الأساس ذاته، لترى إن كان قد بقي سليماً، أم تهرأ خلال الهزات المتوالية التي مرت بالأمة خلال التاريخ، ليتقرر في حسها نقطة البدء: هل هي ترميم البناء، أم تجديد الأساس.
لم يكن الفساد الذي ألم بالأمة هو فساد السلوك وحده، إنما تعدى ذلك إلى فساد المفاهيم، وفساد المفاهيم أخطر كثيراً وأشق علاجاً من فساد السلوك.
حين يفسد سلوك فرد أو جماعة أو أمة، مع وجود مفاهيم صحيحة، فالإصلاح- مهما بلغت مشقته- أيسر منالا وأقرب رجاءً مما لو كانت المفاهيم ذاتها قد فسدت، لأنك عندئذ تحتاج إلى جهد مضاعف، جهد في تصحيح المفاهيم وهو الأشق، وجهد في تصحيح السلوك.
وحين بدأت الدعوة كانت المفاهيم كلها في الحقيقة قد فسدت- كما ألمحنا من قبل- حتى مفهوم لا إله إلا الله، بل بدءاً بمفهوم لا إله إلا الله، فلم يبق منها غير الكلمة المنطوقة باللسان، إلى جانب بعض الشعائر التعبدية عند بعض الناس،