وتجمد من ناحية، وتفقد تماسكها من ناحية أخرى. وقد تبقى على ذلك قروناً إذا لم يحدث تغيير عنيف في المجتمع، وإن كان مالها إلى التفتت والانهيار في النهاية، بفعل عوامل ((التعرية)) الفكرية إن صح التعبير؛ أما حين تحدث تغييرات عنيفة فإن التقاليد لا تستطيع أن تصمد، وسرعان ما تنهار.

والذي حدث في العالم الإسلامي أن معاول الهدم- المتمثلة في الغزو الفكري- كانت عنيفة شديدة العنف، موجهة بشدة لهدم الإسلام ذاته فضلاً عن تقاليده الظاهرية، فلا جرم تنهار التقاليد انهياراً سريعاً تحت طرقات المعاول التي تعمل ليل نهار، في دأب لا يفتر، وإصرار لا يتحول عن أهدافه.

وفي نصف قرن تغيرت الأمور تغيراً مريعاً، حتى لكأن الأمة الأولى قد ذهبت، وجاءت بدلاً منها أمة أخرى لا صلة بينها وبينها إلا تشابه الأسماء! وسرى الفساد الذي أطلقوا عليه اسم ((النهضة)) سريعاً، كسريان السم في البدن الملدوغ. فلم تعد بنات الأسر الارستقراطية وحدهن هن اللواتي يتعرين على الشاطئ، إنما صارت بنات الطبقة الوسطى، ورويداً رويداً وصلت العدوى للريف! وصارت العلاقات بين الأولاد والبنات- البريء منها وغير البريء- شيئاً عادياً في المجتمع، بل أصبحت إحدى أصوله. وتفككت الأسرة ولم يعد سلطان عليها، وصار للأولاد والبنات شأنهم الخاص الذي لا يجوز للوالدين أن يتدخلا فيه. وأصبح ((الدين)) عموماً علامة الجمود والانغلاق، وعلامة التخلف عن ركب الحياة الحي المتحرك، وأصبح الثبات على أي شيء عيباً يعير به صاحبه، لأن الأصل في الأشياء هو التطور وليس الثبات!

في نصف قرن حدث هذا كله، ونسب إلى التطور وإلى النهضة، وإلى مواكبة العالم المتحضر، وإلى ثورة التكنولوجيا وثورة الاتصالات!

وما كان يمكن بطبيعة الحال أن يبقى العالم الإسلامي خارج الأحداث التي تمور بها الأرض، ولكن صورة أخرى مختلفة تماماً كانت قمينة أن تحدث، لو أن الإسلام كان حيا في نفوس أصحابه، وليس مجرد تقاليد خاوية من الروح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015