من صوره وأخباره! وأما بنات الشعب فكن ينفرن منه نفوراً ويستنكرنه استنكاراً! وكانت الصداقات ((البريئة!)) بين الأولاد والبنات تتم على استحياء شديد، وفي تكتم عن الآباء والأمهات، والفتاة التي تستعلن به تعتبر ساقطة في نظر الناس! وكان الفكر الغربي ينشر في الصحف والكتب إما منسوباً إلى أصحابه الأصليين من مفكري الغرب، إذا كان الناقل أميناً يحترم نفسه، وإما مسطواً عليه ومنسوباً إلى ناقله في كثير من الأحيان! وكان المسرح، وكانت السينما، وكانت
الإذاعة، كلها تعمل لحساب الغزو الفكري، ولكن روادها بعد محدودون، وتأثيرها بعد ما يزال في منشئه.
باختصار لم تكن عملية التحول قد تسارعت بالدرجة التي صارت إليها فيما بعد، والتي قفزت قفزات سريعة بعد الحرب الكبرى الثانية بصفة خاصة.
ومن جانب أخر كانت بقايا التقاليد ما تزال قائمة، يخيل للرائي أنها ستصمد لضغط الغزو الفكري، كما صمدت حوالي نصف قرن قبل ذلك! فقد كان ما يزال هناك من يرتاد المساجد من الشباب، حتى في العواصم الكبرى التي تركز فيها الغزو الفكري، وفي رمضان يصوم الصغار والكبار، ولا يجرؤ أحد أن يستعلن بتناول طعام أو شراب، حتى لو كان مفطراً في واقع الأمر! وكان الزواج يتم بمعرفة الأبوين وعن طريقهما في أغلب الأحيان، وكانت الأسرة ما تزال متماسكة، لرب الأسرة فيها كلمة مسموعة، والأولاد والبنات متقيدون بالتقاليد العامة لا يخرجون عنها، ومن خرج عليها يجد من الناس الإعراض والنفور؛ أما الريف فكان في مجموعه باقياً على حاله كما كان منذ أجيال، يستنكر الفساد الموجود في المدينة، ويتحسر على ((أيام زمان)) .
في مثل هذه الظروف كان يمكن أن تخفي على الرائي حقائق كثيرة!
لقد كان الإسلام قد تحول منذ فترة غير قصيرة إلى مجموعة من التقاليد أكثر منه شحنة حقيقية حية. وفي فترة معينة في حياة الأمم يكون تمسك الناس بالتقاليد شديداً، إلى حد يتوهم معه الإنسان أن الناس على دين حقيقي! ولكن التقاليد تجف بعد فترة حين ينقطع عنها المدد الحي الذي يمنحها الحيوية والفاعلية، فتبدأ تيبس