المكية من الدعوة، وإن لم نكن في وضع مماثل لها تماماً، بسبب بعض الفروق بين هذا الوضع وذاك، وهي فروق قد تتسبب في اختلاف الحكم على الناس، ولكنها لا تغير الحكم على الأوضاع، والأوضاع هي التي تقرر في الحقيقة منهج الدعوة، وتقرر أقرب الوسائل إلى بلوغ الأهداف.

ومن هنا نجد أن موضع الاقتداء بالجيل الأول أوسع بكثير مما قد يبدو عند الوهلة الأولى، وأن قضايا كثيرة يلزمنا أن نرجع فيها إلى تلك الفترة، نتدبرها ببصيرة مفتوحة، ونستلهم منها طريقنا في الدعوة، ونتطلع إلى فضل الله أن يلهمنا فيها الصواب.

* * *

إذا درسنا أحوال الأمة الإسلامية- كما ينبغي أن نصنع- فسنجد انحرافات كثيرة، وقعت في مسيرة الأمة خلال الأربعة عشر قرناً الماضية، ظلت تبعد الناس رويداً رويداً عن حقيقة الإسلام، حتى صار الإسلام إلى غربته الثانية التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ» (?) .

وإذا تتبعنا هذه الانحرافات- وينبغي لنا أن نفعل، لأنه لا بد لنا من تشخيص الداء، لتحديد نوع العلاج- فسنجد أن الانحراف لم يقتصر على السلوك وحده، إنما تطرق إلى المفاهيم، وأن كل مفاهيم الإسلام قد أصابها الانحراف، حتى مفهوم لا إله إلا الله- بل بدءاً بمفهوم لا إله إلا الله- بالإضافة إلى مفهوم العبادة، ومفهوم القضاء والقدر، ومفهوم الدنيا والآخرة، ومفهوم الحضارة، ومفهوم التربية، ومفهوم الجهاد. إلخ (?) .

فإذا كان الأمر كذلك، فبأي شيء نبدأ؟ هل لنا مناص من أن نبدأ بتصحيح مفهوم لا إله إلا الله؟ وهل يمكن تصحيح حياة الناس على قاعدة إسلامية، إذا لم نصحح مفهوم لا إله إلا الله في عقول الناس وقلوبهم؟ فأما العقول فمهمتها إدراك الحق، وأما القلوب فمهمتها تحويل الإدراك الذهني إلى شحنة وجدانية دافعة إلى السلوك العملي في عالم الواقع. وهذا هو طريق الإصلاح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015